مع بداية الساعات الأولى من صباح كل يوم وشقشقة الفجر التى تدق جرس موعد الاستيقاظ وبدء يوم جديد يبدأ كل شخص فى ترتيب يومه، فمن يذهب للعمل يبدأ فى تحضير أغراضه مهما اختلف مقصده وتفاصيل يومه عن غيره، وتبدأ الأقدام تدب على السلالم ومنها لقلب الشارع.
وفى نفس الوقت فى مشهد آخر تجد ذلك الرجل الذى وقف بعربة الفول الخاصة به فى الشارع يستقبل زبائنه من الموظفين والشباب الذين اعتادوا على تناول إفطارهم عنده كل صباح، يعرفهم جيداً ويعرف "مزاج" كل شخص منهم فلا تندهش إذا زرت هذا التجمع فى يوم من الأيام وتجد ذلك البياع يدعو كل شخص باسمه وينادى على مساعده "واحد فول بالزيت الحار للأستاذ محمد"، حفظ ذوق زبائنه عن ظهر قلب وارتبطوا هم به حتى أصبح جزءا أصيلا من تفاصيل يومهم قبل ذهابهم للعمل.
ولكن ذلك التجمع لا ينم فقط على علاقة خاصة بين الزبائن وبين ذلك الرجل ولكنها صورة باختصار عنوانها "الشعب المصرى أسرة واحدة"، نموذج مصغر للأسرة المصرية التى تجمع جميع أفرادها دون قصد فعلى تلك المائدة "الغنية" يلتفون كل صباح، تتغير الوشوش والأحاديث والتعارف ولكن كراسى عربة الفول الواقفة باقية ومتنقلة أينما وجدت أو انتقلت تلك العربة.
"لقمة هنية تكفى مية" وعربة فول تتنكر فى دور مائدة الأسرة المصرية المتجمع حولها من كل تلك الوشوش التى تتغير عليها كل يوم، ولكنها صورة اليوم ستظل أحد الأعمدة الراسخة فى تكوين الشارع المصرى والتى تفوح منه رائحة الفطار المصرى الرايق الذى لا يمكننا بدء يومنا بدونه.