يعود تاريخ الدهون المهدرجة إلى أوائل القرن العشرين، عندما تم اكتشاف أن الزيوت النباتية يمكن معالجتها بغاز الهيدروجين لجعلها صلبة أو شبه صلبة، ولذلك تسمي تلك الدهون بالدهون المهدرجة. وتتم هدرجة الزيوت النباتية بشكل جزئي فقط حتي تعطي القوام المطلوب، لأنها لو تمت هدرجتها بشكل كامل فإن قوامها يصبح شديد الصلابة بحيث يستحيل استخدامها في الطعام. وهكذا سرعان ما أصبحت الزيوت المهدرجة جزئيًا متعددة الاستخدامات ورخيصة السعر مقارنة بالدهون الحيوانية مثل الزبدة أو الشحم البقري وشاع استخدامها لفترات طويلة، حتى شاع الاعتقاد بأنها آمنة صحياً.
بحلول الثمانينيات وأوائل التسعينيات من القرن الماضي، أثبتت الدراسات السريرية والوبائية بالأدلة القاطعة على أن الدهون المهدرجة تؤدي إلي رفع مستويات الكوليسترول الضار (LDL) كما تؤدي إلي انخفاض الكوليسترول الجيد (HDL) الذي يقي من خطر الإصابة بأمراض القلب، وأن تناول هذه الدهون يزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب والسكتة الدماغية زيادة كبيرة، وذلك وفقاً لدراسات الجمعية الأمريكية لأمراض القلب.
ويرجع الفضل في هذا الاكتشاف إلي مجموعة كبيرة من الدراسات الطبية لعل أهمها دراسة مُوسّعة اسمها "دراسة الدول السبع"، حيث اشتركت في إجرائها سبع دول هي: أمريكا وفنلندا وهولندا وإيطاليا واليونان ويوغوسلافيا السابقة واليابان، وكانت الدراسة تحت قيادة جامعة مينيسوتا الأمريكية المرموقة. كان الغرض من إجراء هذه الدراسة متابعة العوامل المسببة لأمراض القلب والشرايين، حيث تمت دراسة على ما يزيد عن الثمانين من هذه العوامل ومتابعة أعداد كبيرة من الناس لعشرات السنوات. وكانت الدهون المهدرجة من العوامل التي تمت دراستها بدقة في هذه الدراسة وتبين منها أن تقليل 2% من السعرات المستمدة من الدهون المهدرجة يؤدي إلي تقليل الإصابة بأمراض الشرايين التاجية بنسبة 28% علي مدي عشر سنوات.
وقدر علماء الصحة العامة في جامعة هارفارد، كبري الجامعات الأمريكية، في مقالة مرجعية منشورة في مجلة الجامعة أن (مجرد رفع الدهون المهدرجة من الأطعمة واستبدالها بالدهون النباتية غير المهدرجة يكفي لمنع عدد من الوفيات المبكرة يتراوح بين ثلاثين ألف إلي مائة ألف وفاة كلها ناتجة من جلطات الشرايين التاجية في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها في كل عام).
وقدرت دراسة منشورة في مجلة الغذاء والممارسة الطبية ( Nutrition and Medical Practice ) أن استبدال الدهون المهدرجة بالدهون غير المهدرجة يستطيع أن يقي من 39% من أمراض الشرايين التاجية.
وبالرغم من خطورة هذا الاكتشاف، فقد احتاج تنبيه العلماء وتحذيرهم من خطورة الدهون المهدرجة إلي عقدين من الزمان لتتحول بالتدريج إلي قرارات تنفيذية في الكثير من الدول لحماية الأفراد والمجتمعات من هذه المضاعفات الخطيرة. (مرفق صورة من تقرير عن المبادرات التي تقدمت بها أهم المنظمات الصحية الدولية المعنية بالشؤون الصحية في هذا الصدد).
في نوفمبر 2013 ، اتخذت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) قرارًا بأن الدهون المهدرجة جزئيًا لم يعد معترفًا بها على أنها مًكوّن آمن في غذاء الإنسان.
لماذا تقوم شركات الغذاء بالاستمرار في استخدام الدهون المهدرجة:
الدهون المهدرجة سهلة الاستخدام وغير مكلفة في الإنتاج وتستمر لفترة طويلة. كما أنها تمنح الأطعمة طعمًا وقوامًا مرغوبًا فيه. وبسبب هذه المميزات العديدة فإن الكثير من المطاعم ومنافذ الوجبات السريعة ما زالت تستخدم الدهون المهدرجة في قلي الأطعمة - بالرغم من ثبوت الضرر البالغ الذي تتسبب فيه - لأنها يمكن استخدامها عدة مرات في المقالي التجارية.
وقد أطلقت منظمة الصحة العالمية عام 2018 حملة تحت عنوان: استبدل (مرفق صورة من تقرير منظمة الصحة العالمية لحملة استبدل REPLACE) تشتمل علي حزمة من الإجراءات العملية ودليل للقضاء الكامل علي استهلاك الدهون المتحولة في العالم، وتوفر الحملة حزمة اجراءات مكونة من خطوات محددة، بما في ذلك سن اللوائح للحد من كمية الدهون المهدرجة في الأطعمة والدهون والزيوت.
كانت الدنمارك أول بلد يقوم بتمرير قانون في عام 2003 للحد من محتوى الدهون المهدرجة في جميع الأطعمة إلى 2٪ من الدهون والزيوت. وقد أصبح هذا القانون الدنماركي نموذجا لبلدان أخرى. فقد أصدرت البرازيل وكندا والولايات المتحدة وغيرها اللوائح التي تحظر الزيوت المهدرجة جزئيا وهي مصدر إنتاج هذا النوع الضار من الدهون.
بنهاية 2018، أصبحت الكثير من الدول لديها قوانين إجبارية تمنع أو تحد تحديدا شديدا من الإنتاج الصناعي للدهون المهدرجة جزئياً. وتختلف القدرة علي فرض هذه القوانين بشكل صارم باختلاف الدول. فقد لاحظت منظمة الصحة العالمية أن أغلب الدول التي نجحت في تطبيق هذه القوانين هي الدول مرتفعة الدخل، ولكن زيادة معدلات أمراض القلب في الدول الأقل دخلا يجعل تعميم تطبيق هذه القوانين مطلبا عالميا مُلحاَ.
من هنا، اتجه العديد من مصنعي الأغذية حول العالم إلى توفير بدائل غير مهدرجة لمنتجات الدهون المهدرجة بالأسواق، وحرصت كبرى منظمات الغذاء العالمية وخبراء التغذية على التوصية بقراءة الملصقات الغذائية على ظهر العبوات قبيل شراء أي منتج للتأكد من خلوه من أي عمليات هدرجة.
ويذكر التقرير بالتقدير أسماء الكثير من الدول التي نجحت في إصدار وتطبيق اللوائح التي تنص على الحد من استخدام عمليات الهدرجة بدرجات مختلفة، ومنها: الولايات المتحدة وكندا والأرجنتين وشيلي وكولومبيا والأكوادور والبرازيل وأوروجواي وباراجواي والدنمارك والسويد والنرويج وسويسرا والنمسا وروسيا وإيران والسعودية والكويت وسنغافورة وكوريا وجنوب افريقيا وغيرها. ويمكن للمهتمين غير المتخصصين الاطلاع علي تفاصيل أكثر من خلال هذا الرابط الذي أصدرته منظمة الصحة العالمية للحديث عن هذا الموضوع ووجهته لغير المتخصصين:
www.who.int › docs › replace-country-information-sheet
أما المتخصصين من العاملين في المهن الطبية فلا شك أنهم يعلمون أن هناك كمية هائلة من المراجع الصادرة من مختلف الهيئات العلمية الدولية التي تشرح هذه العلاقة بين الدهون المهدرجة وأمراض القلب والشرايين.
أ.د. عادل عبد العزيز السيد
أستاذ أمراض الباطنة والسكر بكلية الطب،
مستشار منظمة الصحة العالمية لأمراض السكر،
والرئيس السابق لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالاتحاد الدولى للسكر،
الرئيس السابق للمجموعة الأسيوية لدراسة أمراض السكر،
رئيس التحالف المصرى لمكافحة الأمراض غير المعدية.