د. حسين الخولى يكتب: العنف والمرض النفسى

كثير ما يتم ربط المرض النفسى "والعقلى" بالعنف، وكثير ما تطالعنا وسائل الإعلام بأخبار عن جرائم يرتكبها مصابون بأمراض نفسية، مما يدعم الارتباط السابق، ويضيف إلى المرض النفسى وصمة هو برىء منها، وهو ما قد يزيد حياة المرضى النفسيين صعوبة.

الحقيقة أن العلاقة بين المرض النفسى والعنف هى علاقة معقدة ومحل جدل، حيث إن بعض الأمراض قد يزيد معها احتمالية حدوث العنف مثل سوء استخدام العقاقير المخدرة، وأمراض أو أعراض أخرى تقل معها الاحتمالية "مثل الأعراض السلبية و العزلة التى تحدث لمرضى الفصام".

لذا فإن تعميم فكرة ارتباط المرض النفسى بالعنف هو أمر خال من الصحة، ومن المؤسف أيضا أنه بسبب هذا التعميم فإن كثيراً من المرضى النفسيين وذويهم يُخفون حقيقة مرضهم و يتأخرون فى البحث عن العلاج، مما يؤدى فعلياً إلى تدهور الحالات وزيادة احتمالية العنف.

واختلفت الدراسات فيما يتعلق بارتباط مرض الفصام خاصة بالعنف، حيث تباينت نتائجها بين عدم وجود ارتباط إلى وجود احتمالية لزيادة العنف فى مرضى الفصام، ولكن من المؤكد أن بعض العوامل الأخرى تلعب دوراً مهما فى احتمالية حدوث العنف فى هؤلاء المرضى ، مثل سوء استخدام العقاقير المخدرة وعدم الالتزام بالعلاج.

ومن المحزن أنه بالرغم من وجود هذا التباين فى الدراسات العلمية فإن وسائل الإعلام تصر على رسم صورة للمريض النفسى بأنه يشكل تهديدا للآخرين، والإصرار على ربط الجرائم بالمرض النفسى.

تخيل للحظة مريض الزهايمر (أو خرف الشيخوخة) الذى لا يتذكر أفراد عائلته، ويشعر بالتهديد لوجود أشخاص هو يظنهم غرباء فى بيته، تخيل مقدار خوفه وقد تستطيع أن تدرك سبب عنفه اللفظى أو الجسدى.

تخيل مريضا بالفصام مقتنعاً بأن عائلته تضع السم فى طعامه وكيف أنه بلا شك يشعر بالخوف على حياته، وقد تستطيع أن تدرك سبب عنفه.

تخيل مريضا بالاضطراب الوجدانى وهو يعتقد أنه أفضل من كل الآخرين أثناء نوبة الهوس، وكيف أنهم يغارون منه لتميًزه، تخيل ذلك وقد تستطيع أن تدرك سبب عنفه حين يحاول الآخرون مساعدته، بينما يراها هو تهديداً و حقداً منهم.

واصل التفكير فى حال المرضى وأطلق لخيالك العنان، ربما ستدرك حينها أن المريض النفسى يحتاج للتفهم والمساعدة قبل اتهامه بالعنف واعتباره تهديداً.

وإن احتمالية العنف لا تزال قائمة وقد تزيد مع بعض الأمراض النفسية، فإنه من المهم أن ندرك أن هناك بعض المؤشرات التى قد تنذر بحدوث عنف، ويأتى على رأس هذه المؤشرات وجود تاريخ لعنف سابق، حيث تزيد احتمالية تكرار العنف، ومن العوامل الأخرى صغر سن المريض، حيث إن العنف يقل مع تقدم العمر خاصة فوق سن الأربعين، كما أن احتمالية حدوث عنف تزيد فى الذكور عن الإناث، و تزيد مع سوء استخدام عقاقير مخدرة، كما تزيد مع بعض اضطرابات الشخصية.

وإن التنبؤ بالعنف أمر غاية فى الصعوبة، فإننا ننصح أهالى المرضى النفسيين بالاهتمام بمتابعة العلاج، والتواصل مع الأطباء المتخصصين لضمان استقرار الحالات و تدارك المخاطر قبل تفاقمها.



الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;