استغرقت وقتا طويلا فى إعدادها , رغم أننى قد هيأت نفسى لذلك جيدا , بحثت عن الوصفة والمقادير اللازمة , سعيت منذ فترة لشراء مكوّناتها من أجوّد الأنواع , لم أبخل بمال أو جهد .
دائما هناك لحظة تندلع الشرارة فيها , عندها يكتمل كل شيء ولمّا حان الوقت , شمّرت عن ساعد الجد , الحق مرّت ساعات كثيرة من عمل شاق فتلك تجربة أولى أخوضها , لعلّى سمعت و قرأت عن محاولات آخرين , لكن تظل تجربتى , لها رهبتها فى النفس , كم سعدت بنجاح حققته فى صنع هذه " الكعكة " لم أقف كثيرا أمام تكلفة وتضحيات بعدم الذهاب للمقهى والاستمتاع بوقتى كالآخرين.
أخرجتها ساخنة من " فرن " الموقد , حرارة رهيبة تصاعدت فجأة لتلفح وجهى , خففّ من صهدها فرحتى الغامرة وأنا أمسك بها بين بيدى , وضعتها برفق على طاولة مجاورة , ثم أحضرت طبق صغير وسكين , شوكة , ممنّى النفس بطعام شهى , مكافأة سخية بعد سنوات من شقاء , استويت جالسا على كرسى وأثر ارهاق بدا فى عينى لما نظرت فى مرآة جانبية , وجه أنكرته وسألت نفسى : كيف بلغ بى الشقاء هذا الحد ؟
تجاهلت إجابة أعيها جيدا ولن تزيدنى إلاّ بؤسا , حمدت الله كما ينبغى وانكفأت لتقطيعها , إذا بجرس الباب يواصل الرنين دون انقطاع , وصخب بالخارج , بدا أنى أعرف أصحاب تلك الأصوات أو بعضها على الأقل . !
كانوا هم , زمرة الأصحاب , منهم من أراه صبيحة كل يوم ومنهم فى المناسبات السارة , وآخرين غابوا لسبب مجهول , احتفيت بهم وحيرة بادية فى نفسى , ما تلك الزيارة المفاجئة ؟!
= كأنك لا ترغب برؤيتنا ؟! أننصرف ؟!
لم أقصد , لكنها زيارة دون موعد وبوقت أكثر غرابة ؟ فما ورائكم ؟!
كبيرهم : قصدنا زيارتك لنشاركك نجاحك فى صُنع " كعكتك " فقد راهنت منذ فترة على قدرتك على صُنعها , فزت كما تفعل دوما , لذا , ليس أفضل من أن نحتفل معك وبها .
اندفع زميل رأيته آخر مرة منذ عشرين عاما , للداخل فأحضر عشرات الأطباق والأشياء , وآخر جذب وسائد وكراسى من جوانب الشقة وغرفتيها , ثم قام صاحب الرهان وأشار بيديه فصمت الجميع ,: لحظة لا أحب أن يشاركنا غيرنا احتفالنا فذلك شأن خاص , فهل أنا مخطئ ؟!
أمّن الباقون على رأيه , بينما كان يغلق أبواب الشقة ونوافذها ويُسدل الستائر , يطفئ الأنوار , ثم أضاء هاتفه المحمول , فانبعث منه نور شاحب اللون , وضعه بمنتصف الطاولة , وبصمت بليغ خيّم على رؤوس القوم , انطلقوا فى الأكل والمضغ , سمعت همهمة بضيق من أحدهم : ينقصها بعض السكر, كما أنها كانت بحاجة لوقت أطول فى " فرن الموقد ".