عشت أحلم بالهجرة دائما وأبدا ..كثيرا ما حدثتنى نفسى بأن الحل الأوحد والأمثل لجميع مشكلاتى هو السفر خارج مصر .. الخوف، الوحدة ، الاحتياج ، المرض ، الخذلان، وغيرها كثير .. كان العلاج الوحيد حينئذ هو الهروب .
كانت تذكرة الطيران هى النهاية والبداية ، ودعت أهلى ، اعتصر فؤادى لذلك الوداع ولكنى تناولت مسكن هجرتى فزادنى إصرارا على إكمال الطريق ، تركت غرفتى وسريرى وخزانة ملابسى وحملت معى كل ذكرياتى ، أصدقكم القول لم أهاجر للهجرة ذاتها ولكنى يأست من محاولاتى فعزمت حقائبى وقررت الهروب .
من قلب الغربة أكتب هذا الكلام الآن ، الآن لم أستطع أن أرى زينة رمضان ، ليس بالأمر الهين أن تقضى الشهر الفضيل خارج مصر ، يشعر بى كل مغترب يقرأ سطور رسالتى ، رمضان بنكهة الغربة ، أستطيع أن أرى أمى الآن تعد لإخوتى طعام الإفطار ، أسمع صلوات أبى وترتيله كأنى لم أغادر غرفتى أبدا ، أشتم رائحة القطائف والكنافة فى شوارع الحبيبة مصر ، أشتاق لضم فانوس أبى الجديد ليمحو مرار تلك السنين ، يعتصر قلبى لتلك الذكريات ، ولكن هذا كل شىء ، الذكرى و الحنين ، تلك المشاعر العجيبة التى تحملها فى قلبك حيثما ذهبت ، يداهمهما الأمل ، يوما ما سنعود ، ربما بعد أسبوع ، بعد شهر ، أو بعد سنين ، لا أدرى ولكنى حتما أدرك أنى سأعود .
صرخ قطز فى قلب المعركة " واسلاماه " ، من قلب غربتى أصرخ "واغربتاه " ، لو كان من يشترى الغربة يدرى بأى ثمن سيدفعه ؟! ولكنها الحياة ، فالحمد لله ، الحمد لله على نعمة الأمل ، الحمد لله على نعمة الاحساس ، الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه .
مهلا.. ماهذا الهراء ؟ لماذا تتزاحم أفكار الحنين فى رأسى ؟ أريد أن أحسم الجدل الآن ، أستطيع العودة ، بإمكانى الآن الهروب من غربتى ، أستطيع أن أحمل حقائبى وأسدل الستار على هذه الصفحة ، لماذا يداهمنى الخوف على هذا النحو ؟ حتما هروبى الآن هو الحل الأمثل ، حتى لو لم يحدث ذلك على الإطلاق حتما رمضان بهية سيصلح ما أفسده الجميع .