السيد عبد الوهاب يكتب: الثقافة ليست فذلكة أو فلسفة فارغة

فاجأتنى تصريحات أحد رجال الأعمال ممن لهم باع كبير فى الصناعة الوطنية، أثناء حفل تكريم فريق العمل بإحدى الجامعات الخاصة لمرور 10 سنوات على إنشائها، التصريحات كما نشرتها وتناقلتها بعض المواقع الإخبارية كان يطلب من المصريين أن يعملوا فى مجالهم وأن يخدموا بلدهم وأن لا يهدموا كيانات الدولة بما سماه "الفذلكة والفلسفة" مؤكداً أن مصر فى معركة، وأخطر فئة على هذا المجتمع حالياً هم المثقفون، أخذتنى الصاعقة عندما علمت من الخبر أن رجل الأعمال يشغل منصب رئيس مجلس أمناء هذه الجامعة، كيف ذلك وتصدر عنه مثل هذه التصريحات المشينة فى حق الثقافة والمثقفين، فى محراب علم وتعليم وثقافة، هل خانه التعبير؟ هل هى زلة لسان جاءت خارج السياق ؟ أم كانت بقصد وعن عمد ؟، هل هناك ثمة خلط بين فهمه للمثقفين، منتجو الفكر والإبداع فى هذا البلد، ودورهم المهم فى صد المحاولات المغرضة لطمس الهوية المصرية والعربية وبين منتجو الفتن ومشعلوا الحرائق والحروب ومروجى أجندات الغرب الشاذة ؟!، والتعميم هنا آفة يجب أن نفطن لها وندرك مخاطرها حتى لا نستدرج فى فخ التشويه والإساءة للغير دون وجه حق.

مصر كانت ولاتزال منارة الثقافة فى الشرق كله بكتابها وشعرائها وأدبائها وفنانيها، الدولة نفسها تدعم الثقافة وتنفق عليها من أموال المصريين، تكرم المثقفين والمبدعين والمفكرين، تنشئ لها وزارة وهيئات وقصور ودور للثقافة والمعرفة، لها وزير ومسئولين كُثر فى كافة ربوع مصر جميعهم لهم حق الرد على مثل هذه التصريحات، أما أذا أردوا غض الطرف عنها بعدم الحديث، لعدم معرفة بها أو دراً لفتح باب الجدل والسفسطة، أجد نفسى مجبراً من باب حقى ومسئوليتى كمواطن التعبير عن رأيى الشخصي، ورد اعتبار المثقفين والثقافة أمر يستوجب وقفة، على الأقل ليس من العقل والحكمة أن نضع الجميع فى مرمى النيران، ونحن أحوج إلى الالتفاف حول حصن الوطن وأبوابه.

الثقافة عنوان عريض وواسع يعبر عن هويتنا الإنسانية الضاربة فى عمق التاريخ، ضمير الأمة، ترمومتر حضارتها، الثقافة لم تكن أبداً محض فذلكة أو فلسفة فارغة، الفلسفة نفسها من أكثر العلوم تبحراً وتأملاً إن لم تكن أم العلوم، وإهانة العلم أمر لا يغتفر وإهانة المثقفين كبيرة من الكبائر فى حق مجتمع ظل على مدار قرون ممتدة يُصدر الفكر والعلم والعقول لبلاد لم تكن تعرف عنها شيء، نعم الثقافة قد تمرض ولكنها لا تموت، تمرض عندما تواجه حرباً وعداءً ممن لا يعى دورها ولا يفهم ما ترمز إليه من قوة ناعمة متغلغلة فى المحيط الخارجى.

الثقافة يا سيدى نمط حياة يحترم التعدد والتنوع، يعمق الحوار وقبول الآخر، هى الخط الفاصل بين من يفكر ويسعى للتعلم ومن يسلم نفسه بإرادته للجمود والتخلف، وإذا كانت الفكرة هى من تصنع الفعل والمحرض عليه، فلا يمكن مجابهة الأفكار المتطرفة والشاذة إلا بالأفكار الإيجابية الوسطية، وهذا لن يأتى إلا من خلال بناء جدار ثقافى منيع يحمى المجتمع من هذه الأفكار، قادر على مواجهتها وهزيمتها، وليس بتقويض الثقافة أو شيطنة المثقفين وإدعاء أنهم متفذلكين وأصحاب فلسفة فارغة.




الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;