قد يعيش كل منا هماً كبيراً فى حياته، وواقعاً مراً أليماً فى شيء ما يؤرقه، وكثيراً ما نحاول إخفاءه بإيحاءات ومبررات نخلقها لأنفسنا، بالوهم الذى يبدو لنا بعيدا كل البعد عن الواقع الفعلى، فى محاولة ليبدو الواقع المر أجمل ظاهرياً، ونحاول الهروب منه بتجاهله فى محاولة لتسكين النفس، ولكن ذلك لا يغير من الأمر شيئا ويظل الواقع كما هو. يقول جاك ويلش: "واجه الواقع كما هو عليه، ليس كما كان عليه وليس كما تتمنى أن يكون عليه". لذلك نجد أن هذا الشخص فى محاولة هروب مستمرة إلى عالم الأحلام والأمنيات رافضاً تقبل الواقع الذى يعيش فيه بسب قسوة الحياة وكثرة المشاكل وما يواجه الإنسان من صدمات متلاحقة لأنه لم يتعلم كيف يتقبل الواقع والتعايش معه بل ومحاولة التصدى لعقبات الحياة بألا نستسلم بسهولة حتى ندخل متاهة الهروب التى قد تؤدى بنا إلى اجترار الأحزان والغرق فى مشاكل لا حصر لها. يقول نيكوس كازانتزاكيس: "فى حال أننا عجزنا عن تغيير واقعنا.. دعنا نغير عيوننا التى ننظر بها إلى الواقع".
قد يكون الواقع الآن مراً ويصعب احتماله، ولكن مواجهته أفضل من الاستمرار فى الوهم وخداع النفس وخلق تبريرات لا داعى لها، وتكون النتيجة كارثية، بل قد تتفاقم إلى أقصى مدى لها، لذلك فمواجهة الواقع وقبوله أفضل من تجاهله وقد يكون نقطة انطلاق لحياة أفضل إذا استثمرنا ذلك.
إذا أخفقت فى اختبار ما، فلا تحاول إخفاء اسمك من كشوف الراسبين، فلن يغير ذلك من الأمر شيئا، بل يزيد الأمر أكثر تعقيداً. صارح نفسك بتقصيرك واعتذر لمن حولك، وقم بعزيمة الرجال، فلابد من مواجهة المشكلة بالصبر والدراسة الجادة والتمسك بحبال الصدق مع النفس ومصارحتها، واليقين التام فى الله فى أن اتباع منهجه الكونى هو المخرج الوحيد لتقبل الواقع ومحاولة تغييره. يقول كولن ولسن: "إن الأوهام هى التى تجعل الحياة أمراً يمكن احتماله لذلك يكره الناس الحقائق لأنها تبدد الأوهام وتضعهم أمام مرارة الواقع" .
لذلك أعد تقييم نظرتك للواقع والحياة التى جعلناها سباقا للماديات والمنافسة الزائفة عليها، عش حياتك بما يحلو لك وبطريقتك الخاصة التى تتعايش بها مع من حولك ما دام لا ينافى الدين أو يغضب ربك، حاول البحث عن إيجابياتك كونك لا ترى إلا السلبيات فقط وصادق المخلصين المحفزين لك واخرج من نطاق الأحلام وواجه واقعك بصبر وبقوة ومرونة فى نفس الوقت ووازن الأمور بعقلك ومشاعرك فى آن واحد وابحث عن الخصال الطيبة بداخلك وعاود التجربة مرات ومرات لإخفاقاتك المتتالية ولكن بطريقة مختلفة بمشورة أهل التخصص وزود نفسك بالمعرفة واليقين وطور من قدراتك واشحن طاقاتك بكل ما يجلب لك الخير والسعادة.. يقول فيكتور فرانكل: "عندما نفقد الأمل فى تغيير الواقع يكون التحدى الأكبر فى قدرتنا على تغيير أنفسنا".
واجه أخطاءك وعثراتك وعاداتك السلبية مهما كانت واعترف بها، فهذا طريقك لتصحيح وضعك ليكون أفضل مما كان هو الاعتراف بمشكلتك وتقدير حجمها وتحليل أسباب الإخفاق والبحث عن حلول منطقية لها، فالواقع واقع شئت أم أبيت، أين المفر؟ ستلاحقك أينما ذهبت بل ستزداد همومك ومشاكلك وتأخير الاعتراف بها يزيد الواقع تعقيدا، فالاعتراف مبكراً بها يساعدك على الخروج الآمن بصبرك وشجاعتك وتدبرك وتأملك لحالك، فتحقيق الأهداف ليس بالأمر الهين، كل شىء فى الحياة للحصول عليه يحتاج منك إلى بذل أقصى ما عندك من جهد فأصحاب الإنجازات يدركون ذلك جيداً.