انتقلت حالة الزخم الثورى عقب ثورتى ٢٥ يناير ٢٠١١ و٣٠ يونيو ٢٠١٣ من على الأرض إلى مواقع التواصل الاجتماعى لكى تُخرِج حالة الكبت التى لازمت السواد الأعظم من المصريين لعهود طويلة فوجدوا ضالتهم فيها من خلال التخفى وراء هذه الوسائل الافتراضية وبث الأفكار دون رابط أو ضابط فكم من أُناسٍ تراهم من الفصاحة فى كتابة التغريدة أو التعليق فى هذه المواقع الاجتماعية وإذا قابلت أحدهم فى الشارع تجده يتلعثم فى الكلام ولا يستطيع أن يعبر عما يجول بخاطره إلا من رحم ربى فالوحى لا ينزل عليه إلا وهو جالس أمام الحساب الخاص به.
فسرعان ما نصّب المصريون أنفسهم أوصياء على بعضهم البعض وانعقدت المحاكم الثورية على مواقع التواصل الاجتماعى لكل من تسير الموجة فى اتجاهه أو وجود اختلاف مع توجهاته وأفكاره فيتم تصّيد الأخطاء للآخرين فما الذى حدث وأين العادات والتقاليد والثوابت الدينية التى كنّا نتحلى بِهَا الأمر الذى يدعونا أن نفكر سوياً بصوت عالِ خارج هذا المحيط الافتراضى أقصد مواقع التصيّد والتربص الاجتماعى خارج هذه الصناديق المغلقة لإيجاد حلول لهذه الأزمة التى تعد جد خطيرة، فأين قول الرسول الكريم صَل الله عليه وسلم فيما معناه "من ستر مؤمناً فى الدنيا ستره الله يوم القيامة" وأين التسامح وأين حسن الخلق فى قوله تعالى "ولو كنت فظّا غليظ القلب لانفضوا من حولك" وأين وأين..
ولا يُقصد من حديثى هذا أن نكون بمعزل عن التقدم العلمى والتكنولوچى الذى وصل العالم إليه فالكوب الفارغ يمكن أن نستخدمه فى شرب الخمر كما يمكن أن نقوم باستخدامه فى شرب المياه ولنا الاختيار فكذلك هذه المواقع يمكن أن تكون منبراً لتبادل المعلومات التى تهدف إلى المساعدة فى تقدم الأمة وإلقاء الضوء على مشكلات الوطن الحقيقية بأن يكون النقد بنّاء وليس هدّام وقد تستخدم هذه المواقع كسلاح موجه إلى الوطن تقوم ببث السموم من خلالها سواء بقصد من عناصر خارجية أو بحسن نية مِن أبنائه.
لا أريد التعرض لأمثلة بعينها فهى واضحة للجميع سواء من مستخدمى مواقع التواصل الاجتماعى أو من غيرهم فلابد من أن يكون هناك وقفة مع النفس أمام هذه الوسائل الحديثة وأن يتم استخدامها للصالح العام والاستفادة من الروح الثورية فى كل ما يخدم المصلحة الوطنية وأن نصطف وراء القيادة السياسية وندعمها نعم ندعمها فتدعيمها تدعيم للوطن فى هذه المرحلة الفاصلة فى حياة مصر وكفانا فرقة وبث لروح البغض والكراهية التى أخذت من حيذ تفكيرنا الكثير بما يخدم مصلحة المتربصين بمستقبل هذه الأمة فهذه دعوة إلى التكاتف من أجل الوطن وأن نقوم بتنحية الخلافات والصراعات جانباً لكى نعبر هذه الفترة بسلام ونلحق بركب الدول المتقدمة فنحن لدينا المقومات التى نستطيع من خلالها أن نصنع الفارق وأن نكون نموذجاً فريداً يحتذى به، مع ضرورة التأكيد على أهمية النقد البّناء الذى ينطلق من التخوف على الدولة ودق ناقوس الخطر لقضاياه الجوهرية والاستفادة من هذه الحالة الثورية التى لم تهدأ بعد بإيجاد آليات وسبل حديثة وقنوات شرعية لخدمة الدولة المصرية من خلالها والمساعدة فى عملية التنمية الشاملة وليس النقد من أجل النقد الذى يتخفى وراءه مآرب أخرى لا يعلمها إلاّ الله سبحانه وتَعَالَى.. حفظ الله الوطن وتحيا مصر.