التنمر أو الاستقواء كما يُكتب فى بعض المراجع العربية هو ظاهرة موجهة من طفل إلى آخر فى مثل عمره أو أصغر منه قليلاً، وفيها يُلحق المتنمر الأذى النفسى والجسدى وأحيانا الجنسى بفرد آخر أضعف منه فى القدرات الجسمية والعقلية، وقد يصل الأمر إلى التحرش، والعمل ضمن عصابات. وحالات التنمر تتضمن عناصر ثلاثة هى: المتنمر والضحايا والمشاهدون (المتفرجون)، والذين يعانون من مشكلات وصعوبات نفسية وجسمية تؤثر على حياتهم ونموهم، وهذه هى الأزمة.
كما يعانى الضحايا من الانعزال الاجتماعى، والانسحاب، والرفض والاضطهاد، والمضايقة، وعدم الأهمية، وكذلك الأداء التعليمى المنخفض.
ومن خطر التنمر تحول بعض الضحايا إلى متنمرين، أما المتنمرون فيطورون أنماطاً من السلوك اللاجتماعى والإجرامى، والذى يصل فى بعض الأحيان إلى استكمال الصورة الدرامية للمتنمرين مثل تعاطى الكحول والمخدرات واستخدام السلاح.
والتنمر ظاهرة قديمة، وموجودة منذ زمن بعيد، ومنتشرة فى المجتمعات المتقدمة والنامية، وتبدأ –كما تشير بعض الدراسات- من سن السنتين، وتبلغ ذروة التنمر فى الصفوف الرابع والخامس والسادس، ثم تستمر فى السنوات التالية حتى الصف التاسع، ثم تبدأ فى الأحوال العادية إلى الانخفاض فى المرحلة الثانوية، وتندر فى المرحلة الجامعية. وهناك حالات تنمر مسيئة للغاية وغير طبيعية والتى تكون بين الزوجين وهى تؤثر بدرجة كبيرة على سلوك التنمر عند الأبناء.
وعن انتقال هذه الظاهرة إلى المجتمع العربي؛ فكما سبق وأشرنا هى ظاهرة موجودة منذ القدم، ولكن ظاهرة التنمر لم تكن شائعة فى البيئة العربية نظراً لظروف التنشئة العربية القائمة على احترام الكبير والعطف على الصغير، وغيرها من القيم الاجتماعية الراقية، إلى أن العصر الذى نعيش فيه وهو عصر العولمة، والانفجار المعرفى، وخصوصاً ثورة الاتصالات والمعلومات أثرت جميعها على انتشار سلوك التنمر، فتوافدت هذه الظاهرة من بيئات أخرى بفعل هذه الأدوات، فقد ورد أن سلوك التنمر المنتشر فى البيئة الأمريكية –مثلاً- قد وصل كما أشارت بعض الدراسات إلى نسبة 30% بين متنمر، وضحية ومتفرج، وقد انتقلت لنا هذه الظاهرة عبر وسائل الاتصال، والأفلام، والتكنولوجيا الحديثة بوجه عام، وهذه المشاهدات عملت على تقمص أبنائنا للشخصيات المتنمرة التى تعرضها قنوات الإعلام المختلفة. إضافة إلى ضعف الرقابة الوالدية أسهم فى وقوع الأبناء ضحية لما يشاهدونه من مشاهد عنف تحولت إلى سلوك التنمر.
ولعلاج سلوك التنمر يجب أولاً الوقوف على أسبابه، فالوقاية فى هذه الأمور خير من العلاج. وفى حالة وجود الظاهرة علينا بالتدخل المبكر لوقف امتداد الظاهرة وعلاجها، والذى سيكون بالطبع على نحو أيسر منه إذا ما استفحل فى سلوك الأبناء. ومن المهم فى هذا السياق الإشارة إلى أن بعض الأسر تلجأ فى العلاج إلى تدريب الضحية على فنون الدفاع عن النفس، وهذا غير صحيح ولا يحل المشكلة، ولكن من المهم العمل على تحديد الأنظمة والقوانين التى تحد من استقواء الطلبة فى المدارس، وتعليم الآباء والأبناء والمعلمين المهارات اللازمة للتعامل مع مشكلة التنمر من خلال الإشراف على الطلبة فى الفصول والاستراحات، وساحات المدارس، وزيادة التواصل بين الأسرة والمدرسة لتفهم سلوك الاستقواء أو التنمر إذا كانت أسبابه أسرية، وكذلك تنظيم ورش العمل للوقاية من خطر التنمر والتعامل معه، وتجنب العنف الأسرى والذى يسهم فى تعريض المتعرض للعنف الأسرى أن يكون ضحية الاستقواء فى المدرسة.
ومن المبادرات المهمة التى أعلنتها بعض الدول المتقدمة كان منها "مدارس بلا سلاح" ومدارس خالية من التنمر، وهى مبادرات يمكن أن ننسج على منوالها، بمعنى.. يمكن لنا أن نعلن عن مدارس بلا تنمر، نقوم فيها بنشر الوعى بين الطلبة والمعلمين وأولياء الأمور حول مفهوم التنمر وأسبابه ومظاهره وعلاجه. ومن المبادرات المهمة أيضاً أن تقوم مراكز البحوث التربوية والاجتماعية بإعداد الدراسات الميدانية حول ظاهرة التنمر وأسباب انتقالها إلى البلدان العربية، من المبادرات الحاسمة نشر الوعى بهذه الظاهرة من خلال وسائل الإعلام المرئى والمسموع والمقروء، ولاسيما من خلال الصحف الواسعة الانتشار.
وأهم ما يمكن أن تقوم به الأسرة هو وقف العنف الأسرى، حيث أن أبرز أسباب انتشار التنمر هو العنف الأسرى، ولاسيما إذا كان العنف من الزوج على الزوجة، والذى يظهر فيه استقواء الرجل على المرأة بحكم قوته وضعفها، وهى صورة نموذجية للتنمر، فيقوم الأبناء بتقمص دور الأب، ويتحول الطفل إلى متنمر صغير فى أسرته وفى مدرسته، ومن ثم تنمو هذه الظاهرة وتصحبه إلى مراحل عمره المتتالية.
ومن أدوار الأسرة للتصدي: الاكتشاف المبكر للسلوك، وخاصة إذا كان بين جنس وجنس، مثل حالات التنمر بين الأطفال الذكور والإناث، والتى يستقوى فيها الولد على البنت نظراً للفرق السنى أو البدنى بين الجنسين. عدم التفريق فى المعاملة بين الأبناء والبنات، عدم المقارنة بينهم حتى لا تنتشر الغيرة بينهم، تجنب مشاهدة الأفلام التى تعرض العنف بصوره وأشكاله، ألعاب الفيديو التى تعرض للقتل والعنف والاستقواء والسيطرة بصورة مبالغة.