لا شك وقد صادفت يوما طفلا ممزق الثياب، أشعث الشعر عقب انتهاء يومه الدراسى، ينز من جروح دامية علاوة على شروخ نفسية لا تندمل، نواجه حاليا ظاهرة خطيرة تتفاقم حدتها بتعاقب الأيام، لا تنى عن الإيقاع بأطفالنا بين تلابيبها بشكل يومى، ألا وهى ظاهرة التنمر المدرسى.
تشكل ظاهرة التنمر المدرسى Bullying لونا من استعراض القوة بأساليب العنف ممثلة فى اعتداء الطالب الأكثر قوة على ضحيته، مع تكرار عمليته بشكل ملحوظ .
قد يكون ذلك بالتجاهل أو الإقصاء عن المجموعة، أو عن طريق النبذ بالألقاب والنعت بأقذع السباب.
قد يلجأ المتنمر إلى التنكيل بزميله لعجز اجتماعى أو عيب خلقى ملحوظ، بل قد يتطور الأمر إلى الاعتداء الجسدى على شاكلة الضرب المبرح، وأحيانا يكون الاعتداء جنسيا .
تتصدر ظاهرة التنمر قائمة دوافع انتحار طلاب المدارس خاصة الحكومية منها وما تشمله من أبناء الطبقات الفقيرة .
وباستعراض الدراسات البريطانية نجد أن ما يتعدى 50% من حالات الانتحار لا يخرج عن دائرة التنمر، بل أكدت دراسة أخرى أن ما يتعدى مائة وستين ألفا من الأطفال يعزف عن التردد على المدرسة خوفا من بطش المتنمرين عليه .
والسؤال الآن، ما الذى يدفع طفلا فى مقتبل عمره إلى ارتكاب عنف إلى هذا الحد؟
قد نجد فى المتنمَر عليه صورة الضحية، لكن المتنمر هو الصورة الواضحة للمجنى عليه؛ إذ يعانى بعضا من المتنمرين من اعتلال نفسى يصفه بالشخصية السيكوباتيةpsychopathic personality ، والتى تتستر خلف زيف من العقلانية ومحاولات الٌإقناع حتى تتمكن من فريستها وتلحق بها الأذى فى سلوك مضاد للمجتمع .
وقد لا يكون السبب نفسيا على الإطلاق، إنما هو انسلاخ المتنمر من تفكك أسرى وحالات طلاق متعددة، علاوة على فقر مدقع دون مراعاة تقويم سلوك الطفل أو اتزانه نفسيا .
فالطفل الذى يولد فى بيئة يملؤها شجار بين أبويه يخلق بداخله حالة من الثورة على النظام بل يسعى لبث صور العنف بين زملائه تدميرا للمجتمع .
وبتقدم صور التكنولوجيا وانفصال أبناء الجيل الحالى عن الواقع، نجد معظم الألعاب الإلكترونية مليئة بالقتل والدماء، وربما يتخذ طفلك بطله من لعبته ليجسدها على أرض الواقع.
ها هى الظاهرة تجتاح عالمنا بسرعة جنونية، ليس ببعيد أن تعصف بمستقبل أبنائنا عن قريب، لذا لابد وأن نتوخ الحذر للتصدى لفئة المتنمرين .
ما المانع فى التعرف على أصدقاء طفلك والتحدث إلى عائلاتهم باستمرار لمتابعة علاقة طفلك بمحيطه الخارجى؟
ولنتريث جميعا، متى نكتشف تعرض أبنائنا للتنمر فليس بصحيح أن نبادر بتوبيخ الجانى عملا بشكوى ضحيته فهذا سيدفعه لصب جم غضبه على الضحية من جديد وربما تدميرها .
إنما علينا التوجه إلى إدارة المدرسة و مشرفى الصحة النفسية بها لتقويم سلوك الجانى بعيدا عن ضحاياه .
قد يكون المتنمر واحدا من أبنائنا، إن لم يتم احتواؤه وعرضه على الطب النفسى أو ردعه بعقوبات وقوانين، فسيتحول إلى وحش كاسر يثير الذعر بين أبناء أمته .
قد يكمن الحل فى زرع قيم الحب والعطاء منذ الصغر فى محيط سلمى لا يستعرض مواطنوه آى العنف فى وسائل الميديا، وبلا معلمين يستطردون فى تعنيف طلابهم بالسب والضرب .
لكن حين تكلف الطالب - منذ نعومة أظافره - بإسعاد من حوله بأبسط الطرق كمهمة مدرسية، أو الاشتراك فى عمل جماعى لرسم البهجة؛ لخير صنيع يفتت حواجز البغض بين الطلاب ويعد جيلا قادرا على نشر السلام وتطهير الأرض من متنمريها.