ببطء شديد سحب نفساً من "نارجيلته"، بدا شارد الذهن، تنظر عيناه لمجهول قابع بداخله، قطعت عليه صمته مداعباً: غادرتنى مبكراً، جئت لمسامرتك بضع من الوقت، فرأيتك، تجالسنى بجسدك، فؤادك مع من يشغله، هنيئاً لك ..
استقرت على وجهه بسمة مغتصبة، ثوان ثم تبخّرت، أدركت أنه يجاهد نفسه، يكتم شيئاً بداخله، فأبدلت لهجة الحوار معه: مالك ؟
سألنى بلطف: ما يدعو المرء أن يهجر عالمه، يترك صحبة الأخيار، ويهوى لمدارك نراها غير صالحة؟
قلت: زدت الأمر غموضاً يا عزيزى، لا أدرك مغزى كلامك .!
حكاية كل يوم، تلك الرواية التى تتكرر منذ بدء الخليقة، تنجذب الفراشة للنور، يُسكرها بريقه، لعلها ترغب كقريناتها فى الموت بين أحضان حرارته اللاسعة، لكن، لا تجد سوى سراب، ضوء بارد، حياة معتمة.
أدركت ما يقصده، صمتُّ برهة أتخيّر مفرداتى، أتحسس المعانى المناسبة، قلت و أنا أحتسى بقايا كوب " اليانسون الخالى من السكر ": بسيط الأمر، تفقد الهامات بريقها عندما تدلف من أبواب بيوتها، و كما تخلع ملابسها، تنزع عنها كل لقب تتزيّن به، لتصبح مجرّدة من كل شيء، لا يبقى إلاّ البرد القارس.