ما يسميه البشر أزمات هى فى الواقع نِعم ينعم الله بها عليهم حتى يتعلموا ويقووا، وتصبح استجاباتهم للواقع والأحداث إيجابية تعود عليهم وعلى مجتمعاتهم بالخير والازدهار، ولأن هذه الاستجابات للواقع والأحداث تنبع من معتقدات وأفكار البشر التى اكتسبوها خلال نموهم من الأسرة والبيئة والإعلام المسموع أو المقروء أو المرئى ومن الأئمة فى المساجد والقساوسة فى الكنائس، فلذلك تكون توقعاتهم مبنية على هذه المعتقدات التى ترسخت فى عقولهم الباطنة ونحن فى عالمنا العربى لأننا وطوال الأربعة عقود الماضية نأكل ونشرب ونتنفس ثقافة الاستهلاك ولا غير فقد جعلتنا نرغب طول الوقت وعلى مدار عمرنا فيما لا نملك ولا نأبه لما أو نهتم بما نملكه.
بالفعل فتهدأ نفوسنا ويرتاح بالنا ونشعر بالرضى والسعادة تلك التى تهيئ لنا بيئة جيدة لاستغلال مواردنا الموجودة فعلا فى إثراء واقعنا وإنماء أوطاننا وتغيير حالنا إلى ما هو أفضل فى عملية تبدو وكأنها آلية أو أنها طبيعتنا كأفراد أو شعوب، فالنجاح والازدهار والتقدم توجه ذهنى اولا وأخيرا قبل أن يكون اى شىء آخر.
ولنأخذ على ذلك أمثلة مما حدث فى اليابان بعد أن دمرت بلدهم تماما ولا موارد كثيرة إلا أبناؤها وقوة توجههم الذهنى الذى جعلهم يريدون ويعقدون العزم على إعادة الإعمار والبناء ناظرين إلى ما يملكون بالفعل فى ذلك الوقت ولم يفكروا ولو للحظة فيما لا يملكون وإنها استراتيجية لها فعل السحر أن يجلس الإنسان فيفكر فيما يملكه الآن ، ويأخذ فى استغلاله وتنميته الاستغلال الامثل والتنمية المستدامة ونحن – كمصريين – نملك ما ينقص كثيرا فيمن حولنا من دول وشعوب، فنحن ولله المنة والحمد آمنون فى بلدنا ، معافون فى أبداننا، ولا ننام جائعين، أو فى ملاجئ ومعسكرات ايواء وخيام ولا ننتظر إغاثات الأمم المتحدة أو دول الجوار، فلماذا إذن نركز على مالا نملكه فنتذمر ونهيئ أذهاننا للفشل وتقبله ونرفض الواقع ولا نعيشه ونرضى به كأول خطوة على طريق تغييره إلى الأفضل، وتوجيه أذهاننا نحو البناء والرفاهة ؟؟
وإنها لمهمة عظيمة تلك التى يجب أن يضطلع بها الإعلام ووسائل تنمية الوعى من مناهج دراسية فى شتى المراحل ودراما المسلسلات والأفلام وحكايات القصص والروايات وخطاب دينى مستنير يتعامل مع الواقع والتحديات ويذكر بجنات الدنيا ونيرانها ولا يعد أو يتوعد سواء فى المساجد أو الكنائس لأن بناء الدول يبدأ ببناء الانسان، ولأن هذا الانسان يستجيب لأحداث الواقع بناء على قيمه التى تترسخ فى عقله بالتكرار والتى تشكل معتقداته التى يستخدمها فى تكوين توقعاته وتوجهاته الذهنية التى إما ان تدفعه الى العمل والبناء والإحساس بالسعادة والوفرة ان كانت ايجابية وإما أن تسلك به طريق المقاومة والتذمر والنقمة والانتقاد الهدام والتعاسة والفقر.
لذلك على كل هذه المؤسسات أن تبدأ من الآن فى تهيئة أطفال اليوم ليكونوا بناة الغد لوطن نتباهى به بين سائر بلدان المعمورة.