قال لى صديق ذات يوم: "أمى قصيرة، لذلك أنا أحب القصيرات وأتعاطف معهن إذا ما تندر عليهن أحد إعزازا وتقديرا لأمى"!. لم يكذب الرجل، وتحدث عن حب عميق وصادق لأمه حتى إنه تعاطف مع من يشبهنها فى القامة والهيئة وقدّرهن لأجلها قربى لها وحبا فيها.
هى الأم وحدها التى نراها بعيون القلب فنرى تجاعيد الزمن التى تتزايد على وجهها علامات محبة ووهج نور. فأول شىء تتفتح عليه أعيننا وتدركه حواسنا فى هذا الكون هو ملامح الأم وحضنها الدافئ الآمن وتلك الحقيقة لا جدال فيها فهى أول وأهم بديهيات الحياة بالنسبة لنا.
أمى هى أجمل النساء وأحبهن وأرحمهن بى ومعى وفى نظرى ويقينى. أمك هى التى تحتضنك جنينا ضعيفا تتغذى على كل عناصر جسدها المرهق منك الصابر عليك حتى يكتمل تكوينك وتخرج للدنيا لكن دورها لا ينتهى معك بل يبدأ فتحتضنك وليدا رضيعا وطفلا صغيرا وشابا مراهقا متمردا أو فتاة مراهقة عنيدة لا يتجاوز أيا منهما تلك المرحلة غالبا إلا بسحق أعصاب الأم مرارا وتكرارا. ثم فى مرحلة الشباب والنضوج تلاحقك بدعواتها ورعايتها والتخطيط لمستقبلك والتدبير لك ماليا واجتماعيا فهى تعيش تمنى نفسها بيوم ترى فيه فلذة كبدها رجلا ناجحا وعريسا أنيقا جميلا وأبا حنونا يحيطه أبناؤه، تعيش وتحلم بأن يمن عليها الله بعمر يطول لترى فيه ابنتها فتاة تمسك بيد عريسها فى حفل زفافها وأما تأتيها بأحفاد تهتم بهم ولهم وتبدأ معهم رحلة كفاح جديدة وقصة معاناة ممتعة ومحببة.
المؤسف حقا حدّ وجع القلب أن ترى هناك من تجردوا من الإحساس واللياقة بل وصل الامر معهم حد إساءة الادب فى نظرتهم لبعض الأمهات على السوشيال ميديا وفى تعليقاتهم السخيفة لدرجة وصلت إلى الوقاحة، على سبيل المثال نشرت المطربة أنغام صورة لوالدتها على صفحتها الشخصية على الفيس بوك فى يوم عيد الأم ذلك اليوم الذى يعد مناسبة خاصة لأى أم وعيدا لكل ابن وابنة لا زالا ينعمان بنعمة وجود الام فى حياتهما وأى نعمة هى؟
نشرت أنغام صورة لأمها وكتبت ماما وهى حتما فرحة بوجود أمها معها ترعاها وتهتم بها وبأبنائها وتساندها فى رحلة الحياة التى ما كانت لتنجح فيها أنغام وكام فنانة لولا وجود أمها معها، فما كان من معدومى الإحساس والأدب إلا وانهالوا تعليقات ساخرة ومهينة على الصورة فقط لأنهم قارنوا بين صورة المطربة السوبر ستار وبين صورة الأم المصرية ككل الأمهات، فهى ليست نجمة سينمائية ولا فتاة إعلانات نحيفة، فمنهم من علق بشكل خادش للحياء على الصورة وقلل من شأن تلك الأم التى تحتوى أبناءها وتفخر بها إحداهن وهى أنغام.
وهنا تظهر تساؤلات عديدة تقفز فى ذهنى وتتزاحم أمامى لكن أهمها هو: أى بيئة تلك التى تخرج إنسانا يسخر من الناس لأشكالهم وأوزانهم ناسيا أن له أم وجب عليه احترام كل الأمهات لأجلها تقديرا واحتراما لها؟ وأيضا إلى متى سنستمر فى هذا الانحدار الأخلاقى المروع الذى يتزايد مع الوقت دون انتباه أو التفات او اهتمام للبحث عن السبب وكيفية العلاج؟ وإن كنت أنا نفسى لا أدرى كيف يكون علاج ذلك الانحدار الأخلاقى المتزايد.
أختم فأقول لتفخر كل ابنة بأمها وليزهو كل ابن بأمه التى لولاها ما كانت حياة ولا وجود، وأيا كانت ملامحها وأيا كان مظهرها ومستواها التعليمى والثقافى ستبقى أمى أجمل النساء وأحلاهن بنظرى. وكذا كل أم بنظر أبنائها هى كل النساء وأهمهن وأجملهن، ولتحيا عيون القلب الجميلة، ولتعش كل الأمهات تيجانا فوق الرؤوس.