الاقتراب الآن من ساحة مسجد الإمام الحسين وإنشاد ياسين التهامى لقصائد ابن الفارض يجعل السامعين يهيمون بما يشدو، فهو مشهد يجمع المسلمين وتلمح بعض المسيحيين وهو هائمون عند استماعهم، هذا الامتزاج العجيب لا يتكرر كثيراً، فقد وجدناه فقط عند الاستماع للصوت الملائكى الشيخ محمد رفعت فى أربعينيات القرن الماضى عندما كان يقرأ فيستمع إليه كل الناس على اختلاف دياناتهم.
ولا عجب فى هذا فلحب آل البيت مكانة خاصة فى حياة المصريين جعل لتدين المصريين مذاقاً خاصاً انفردت به مصر عن غيرها من البلاد العربية، وهو بلا شك حب يتعلق بمكانة هذه الشخصية تاريخياً وسياسياً، وفى نفس الوقت يرجع لطبيعة المصريين ذاتها ومدى رسوخ الجانب الدينى فى وجدانهم منذ أجدادهم الفراعنة وما تميزوا به من تقديس للأديان وللرموز والشعائر الدينية.
يأتى مولد الإمام الحسين فى نفس الوقت الذى نحتفل به بميلاد المسيح عليه السلام، والمصريون فى مثل هذه المناسبات عند اجتماعها لا تختلط عليهم الأمور، اترك الساحة قليلاً وادخل إلى حلقات الذكر، حيث أوراد الصوفية والمدائح المتعددة، ثم تجد التذكير بيوم ميلاد المسيح والسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا، والتذكير بمبادئه السامية لنشر المحبة والسلام، والتذكير بتهنئة إخواننا الأقباط وتبادل الهدايا، لتجد أبجديات وكلمات التعايش السلمى واقعاً حقيقياً لا يشوبه أى كدر أو تصنع أو تكلف لإرضاء الآخرين، بل الأمور تبدو على طبيعتها وفطرتها النقية النابعة من روح المحبة والسلام عند صاحب المقام بدون أغراض دنيوية.
وهيأ الله لشخصية الإمام الحسين العديد من الكتاب الغربيين، خاصة المستشرقين المنصفين للتاريخ الإسلامى، فقال عنه غاندى "تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوماً فأنتصــر"، مقولة استحق بها أن يكون مدرسة إنسانية مدافعة عن حقوق البشر لإعلاء كلمة الحق، فهو مثال التضحية والفداء وعدم الاستعلاء فى ذات الوقت لتحقيق العدالة.
ما أجمل هذا الامتزاج وهذه المشاعر التى تستدعى لنا مبادئ الإمام الحسين مع مبادئ عيسى عليه السلام، لتكون واقعاً نحيا به ونغلق به باب الفتن فى وجه المتربصين لهويتنا المصرية فى الداخل والخارج وتكون مبادئنا كلمة سواء محبة تتحدى الصعاب والمحن.