منذ زمن تراودنى الكتابة عن هموم ومشاكل المعلمين التى ألامسها من خلال عملى كمدرس مصرى، فخبرتى المتواضعة وعملى لسنوات قضيت منها أكثر من خمس سنوات موزعة ما بين مدرس بالحصة ومن ثم عقد محافظة إلى أن منًّ الله على بعد جهد عصيب بالتثبيت على كادر وزارة التربية والتعليم المصرية.
كنت فى السابق أعلل معاناتى وأحصرها بالتثبيت، وأن جميع المشاكل المادية والنفسية ستنتهى بمجرد استلام العقد الوزارى أمنية كل الشباب من جيلى !!!
والآن وبعد أن استلمت العقد وأصبحت أتقاضى راتبا مثل باقى المدرسين التعساء، نعم التعساء فمهنة التدريس فى بلدنا أصبحت عنوانا للفقر والحاجة والعيش على الفتات، كونه يتبع وزارة خدماتية لا تدخل أموالا لخزينة الدولة.
"المدرس الله يكون فى عونه راتب البعض منهم لا يكفى لشراء بنطالون"، ومطلوب من المدرس أن يسدد الإيجار الشهر للمسكن ويؤمن المأكل والمشرب والملبس، ناهيك عن فواتير الكهرباء والماء والإنترنت والتليفون إن وجدوا، ويحرم أسرته من الترفيهات وشراء الألعاب والحلويات لصغاره.
للمدرس هيبته بجميع دول العالم ومازال يحتفظ بشخصيته القيمة، أما هنا فى بلدنا فالمدرس انحصرت صورته فى البهدلة والمذلة، وهو يمتهن الدروس الخصوصية، فماذا تتخيلون من مدرس راتبه لا يكفى لسد الرمق؟ من الطبيعى أن يحاول أن يجد الحلول والبدائل للعمل على زيادة راتبه لكى يستطيع العيش فى ظل الغلاء الفاحش الذى نعانى منه نعم لا سبيل للمدرس إلا العمل بالدروس الخصوصية، تلك الحلول والبدائل التى كسرت حاجز الرهبة بين المدرس والطالب حينما يطلب المدرس من طالبه ثمن الحصة، فكيف ستتكون صورة المدرس فى مخيلة الطالب وهو يدفع للمدرس أجرته، من الطبيعى أن تنكسر شخصية المدرس أمام طالبه ويتعالى الطالب عليه، نعم هذا ما وصلنا إليه يا وزارة التربية والتعليم فى بلد "أم الدنيا".
قبل أيام كنت أشاهد التليفزيون ولفت نظرى مقطع سينمائى من الفيلم المصرى "جاءنا البيان التالى"، "حينما سأل مذيع أحد المواطنين عن أمنيته فى ليلة رأس السنة، رد عليه صارخا ومستهزئا من وضعه المعيشى "مفيش زواج مفيش شغل مفيش أى حاجة" نعم الحالة التى شاهدناها فى الفيلم، هى جزء مصغر من الحالة التى يعيشها المدرس المصرى الراتب لا يكفى للسكن والزواج وتربية الأطفال ....!!!
الجميع يتهجم على المدرس ويتهمه بالتقصير والإهمال، متناسين أن المدرس بشر عليه أعباء ولا أحد يهتم به أو يرصد معاناته، البرامج التليفزيونية تسلط الضوء على مشاكل المدرس مع الطالب، فنشاهد برنامجا يرصد اعتداء مدرس على طالب، أو مدرس يحل أسئلة الامتحانات للطلبة، أو مدرس يرقص مع طالباته، ويتصيدون الأخطاء البسيطة ويتجاهلون أعظم الأخطاء وهو إعدام المدرس وتعريضه للاهانة وهو يمتهن فى ملهى ليلى لكى يستطيع أن يسدد ما عليه من التزامات، يتجاهلون إعدام أحلام ملايين المدرسين عندما لا يجدون فى جيبهم ما يفرح أطفالهم وردهم خائبين عند طلبهم للعبة لا يملكون ثمنها، يتجاهلون مذلة المدرس أمام موظف يتقاضى آلاف الجنيهات فى مثل سنه وتعاليه عليه على الرغم أن الموظف الأخر لا يملك شهادة الثانوية العامة ولكنه أغنى منه فقط لكونه موظف فى وزارة تدخل أموالا للدولة!!!!.
الكثير والكثير من المعاناة سأقوم بطرحها بشكل دورى لعلى أفرغ ما بنفسى من هموم لكى لا أصاب بالإحباط واليأس.
الوزير الهلالى الشربينى من أوائل الوزراء الذين تمكنوا من المحافظة على وجوده فى مجلس الوزراء، لكونه يتمتع بشخصية أهلته للاحتفاظ بمنصبه، ولكن هناك سؤال يحتل تفكيرى ولا أجد إجابة له ماذا سيخسر وزير التربية والتعليم عندما يطالب مجلس الوزراء ويقدم طلب رفع أجور المدرسين؟!!، ماذا يمنع الوزير الهلالى بأن يطالب مجلس النواب بوضع قانون والتصديق عليه لكى تُرفع هيبة المدرس ويتمكن من تعزيز من مكانته بزيادة راتبه ومساواته بباقى موظفى الدولة؟! وإن كان هناك ما يمنعه من ذلك أرجو ممن يعرف المانع أن يريح عقلى وفكرى، ويريح ملايين من المدرسين والمواطنين المصريين.