الحمار حيوان أفريقي الأصل، وهو لا يزال في مصر منذ أن كان من آلاف السنين. ففي الآثار الفرعونية القديمة، رسما لحمارين، أحدهما يمشي وراء الآخر، وأمام الاثنين ابنهما الجحش الصغير.
والحمار المصري من أجود أنواع الحمير في العالم، فأهل مصر يعتنون بتربيته ويحتفلون بأمره ويتسابقون عليه، والجيد منه يباع بالثمن الكثير، وقد نقل صاحب كتاب " مناهج الفكر ومناهج العبر " قال:
بيع حمار بمائة دينار وعشرة دنانير، وأما الذي رأيناه نحن منها فبيع بألف درهم، وربما زاد بعضها على الألف، وكثير من أهل مصر يركبونها ويتركون الخيل والبغال، فمن يركبها من الأعيان مع وجود القدرة والإمكان على ركوب الخيل والبغال، ويقصد بذلك التواضع وعدم الكبرياء، ومن ركبها من ذوي الأموال وترك الخيل والبغال.
وقد كان لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – حمار من مصر اسمه " يعفور " وقيل إن صاحب الإسكندرية - المقوقس - قد أهداه إليه.
وقال الواقدي: مات " يعفور " عند عودة النبي من حجة الوداع.
وللحمار منافع كثيرة، ذكرها الشيخ الرئيس أبو علي بن سينا، قال: رماد كبد الحمار بالزيت ينفع من الخنازير - علة معروفة وهي قروح صلبة تحدث في الرقبة -
ويبريء من الجذام، وكبه مشويا على الريق ينفع من علة الصرع والمكزوز - تشنج يصيب الإنسان من البرد الشديد أو يسبب خروج دم كثير –
وكانوا يعتمدون على الحمير في تنقلاتهم، وقد عاش الحمار أزهى عصوره في مصر حتى نهاية القرن الثامن عشر، وكان حتى ذلك الوقت أفضل وسائل النقل فضلا عن احتفاظه بمكانته اللائقة تاريخيا.
ولأهمية الحمار المصري فقد طلبت الحكومة الإسرائيلية شراء 100 ألف حمار مصري بالمبلغ الذي تحدده مصر، وقد أكد وليد صبحي جنيدي – المدرس بكلية الطب البيطري – جامعة كفر الشيخ. هذا الخبر، موضحاً أن هناك عدد من الأبحاث العلمية التي يتم إجرائها حالياً تُشير إلى وجود مادة فعالة بجلود الحمير تساعد في علاج السرطان.
وقد أرسلت شركة يابانية متخصصة في إنتاج الأدوية طلباً لشراء مليون حمار في عهد الدكتور كمال الجنزوري - رئيس الوزراء السابق- بسعر 500 دولار للحمار الواحد قابلة للزيادة بما يعادل ثلاثة أضعاف سعره في مصر، وهو الأمر الذي قوبل بالرفض في المرتين. حيث أن الشركة اليابانية كانت قد أعلنت عن إجرائها عدداً كبيراً من الأبحاث على أنواع كثيرة من الحمير، ولكنها وجدت أن الحمار المصري هو الأنسب لصناعة ذلك العلاج بفاعلية أكبر نظراً لسماكة جلده وغنائه بالمواد المطلوبة التي تتناسب مع طبيعة الجو الحار في مصر.
وقد خصصت أسواق للحمير في مصر، كان أشهرها وأقدمها السوق الأسبوعي في منطقة “ بشتيل ” في ضواحي محافظة الجيزة، وقد خصص هذا السوق لتجارة الحمير والبغال وخيول الجر.
وهناك صور قديمة كثيرة لمواقف الحمارِّين، إذ كانت الحمير تقف في طابور طويل، ويقف كل حمَّار بجانب حماره، والإنجليز الذين رغبوا وخططوا لاحتلال مصر، أدركوا أهمية الحمار في مصر، فاتخذوا منه وسيلة لاحتلالها.
ففي صباح يوم 11 يوليو 1982، أوفد الإنجليز مالطي – من رعايا الحكومة البريطانية – فاتفق مع حمّار اسمه السيد العجان ليلف به الإسكندرية ليتفرج على أحيائها ومعالمها. فإذا ما آذنت الساعة الثانية بعد الظهر، انتهى بهما المطاف عند حانة قريبة من مقهى القزاز على بعض خطوات من قسم شرطة اللبان، في نهاية شارع السبع بنات. وطلب الحّمَّار حسابه، لكن المالطي كان يقصد إثارة الشغب المتفق عليه، فقد رمى له قرشا واحدا، فاعترض الحّمَّار، وتعاركا، فاستل المالطي خنجره - الذي جاء به خصيصا لذلك - وطعنه، فأثارت الدماء ثائرة الأهالي، فطاردوا المالطي، وتحقق له ما أراد من إثارة الأهالي، ليتخذها الإنجليز ذريعة لاحتلال مصر.
وكان يعقد
في الإسكندرية سوقا للحمير في آخر شارع السكة الجديدة بالمنشية كل يوم أحد - بجوار مستشفى بروك الخيري لعلاج الحيوانات وبجوار المستشفى بيطار - فيأتي أصحاب الحمير الراغبين في بيعها، يجرونها ويعرضونها للمشترين، ويتوافد راغبي شراء الحمير – أيضا - باحثين عما يريدون، ويأتي – أيضا – للسوق باعة البرادع الجلدية والذين يعالجون الحمير، والذين يغيرون" حدوة " سيقانهم. ويسمونهم بـ" البيطار"، ويقف حول السوق باعة البرسيم والتبن والفول والشعير وكل ما يمكن أن تأكله الحمير.