الكثير من الدول تتبع نظام التوقيت الشتوى والصيفى الذى يتقدم أو يتأخر فيه الوقت ساعة اعتقادا منها أنها ستكسب ساعة من نهار كل يوم للعمل أو الراحة، فهى بلدان تسابق الزمن وتستثمر كل دقيقة منه؛ والحمد لله أن القليل من هذه الدول تدرك أن الوقت عندنا لا يساوى شيئاً، وأننا على استعداد تام لإضاعة ساعات وأيام بلا حساب..
أخالف من يقول أن المصالح الحكوميه معظمها مغلقة خلال شهر رمضان، لأننى قمت بجولة فوجدتها جميعا مشرعة الأبواب، لكن للأسف الشديد بدون موظفين، وغالباً عندما تسأل عن أحدهم يأتيك الجواب سريعا بأنه ذهب إلى المصلى ليصلى، أو أنه يقرأ القرآن وإذا وجدت الموظف الأول والثانى ممن تحتاجهم فإنك يستحيل أن تمضى بملفك إلى أبعد من ذلك، لأن هناك من هو يصلى، ويقرأ القرآن، والبقية فى التأمين الصحى وأعذار أخرى لا تنتهي!
الانضباط فى ساعات العمل ليس مشكلة رمضانية، وإنما مشكلة كل زمان، وأنه أول درجات سلم الفساد الذى يجب على الجهات المعنية دكه ومكافحته قبل مكافحة الفساد المالي، وغيره فالتسرب من العمل يعنى تعطيل مصالح البلاد والعباد معاً، وتفويت الفرص لإنجاز المشاريع التى يخطط لها سواء كانوا أفراداً أم دولة.. وهذا كله زمن مهدور من تاريخ الشعوب، وأعمارها.
ولكن ألا تظنون أن الانضباط مشكلة سلوكية أخلاقية أكثر مما هى وظيفية!؟ يعنى أنها جزء من ممارساتنا فى الحياة اليومية فالصديق يتأخر عن مواعيده مع صديقه، وتلميذ المدرسة يتأخر عن الطابور، والمعلم يتأخر فى الوصول بموعد الحصة، والموظف يصل عمله متأخراً، والمسئول يتأخر فى عقد اجتماعاته بالموعد الذى حدده، والمرتب يتأخر فى الوصو، وسيارة الإطفاء تتأخر عند استدعائها، والأمهات يتأخرن بمواعيد الغداء والفطور وحتى بترتيب بيوتهن صباحاً، وفى أى مطعم تدخله قد يتأخر المضيف عن إحضار طلبك وكلها اوقات مهدوره فى الانتظار والترقب، وحرق الأعصاب.
المتاعب وحدها التى لا تتأخر المؤجر يأتيك فى موعده لا يؤخر ولا يقدم ساعة وفواتير الماء والكهرباء والغاز والموبايل وكلها مصالح مالية ينتفع منها بشكل مباشر وهذا هو الذى يدفع الدول إلى تبنى مفاهيم الاقتصاد المفتوح، والخصخصة لأن الأمر عندما يتعلق بالمال العام لا أحد يكترث، لأنه لا يوجد من يحاسب على ضياعه.
لا أقول أننا شعب متخلف لأننا أصبحنا نستخدم شتى تقنيات العصر الحديث ؛ لكن يمكن أن نقول أننا شعب لا يجد من يطور لديه ملكة الإحساس بقيمة الوقت، وبأهمية استثمار الوقت فى الأمور المفيدة وعدم هدره بطريقتنا هذه التى نسلكها اليوم فكثير من الناس يأتون إلى العاصمة من المحافظات لإنجاز أعمالهم، وكل يوم تأخير يكلفهم مبلغاً كبيراً، وأسرهم أولى بإنفاقه؛ وهناك أناس ينتظرون أرزاقهم بإكمال أعمالهم، وأى تأخير يعنى زيادة معاناتهم ؛ وهناك من يتركون مصالحهم وأشغالهم التى يتعايشون منها لإنجاز مصالحهم، وسيكون أى تأخير لهم بمثابة قطع لأرزاقهم.
نحن فى حاجة لغرس قيمة الوقت والانضباط بالمواعيد، وهذا من المفترض أن يبدأ من الصغار الذين تعلمهم أمهاتهم عدم التأخر عن موعد الطابور المدرسى، ويعلمهم معلموهم أن هناك عقابا على التأخير، لينتقل السلوك فيما بعد إلى الشارع والوظائف العامة التى من حق المواطن أن يغضب عندما تتأخر مصالحه، وعلى المسئول الحكومى أن لا يجامل أحدا ويبحث بجدية أين يذهب موظفوه فى اوقات العمل الرسمية، ولماذا تأخرت اوراق ومصالح هذا المواطن.
للأسف يوميا نسمع عن مشاريع متعثرة لدى الدولة، ونسمع أن المقاولين يساومون الجهات الحكومية لإكمالها بحجج واهيه منها ارتفاع الأسعار وأجور العمالة ونستغرب كثيرا كيف جهه رسمية تؤمن أن العقد شريعة المتعاقدين لا تلجأ إلى الشرط الجزائى الذى تتضمنه العقود فى حالة حدوث التأخير فى تسليم المشروع!
كل مشروع من المشاريع المتعثرة موضوع بموجب خطة تنموية، وإذا ما تعرقلت هذه المشاريع فإن ذلك يعنى عرقلة خطط التنمية، والتى تتسبب فى أزمات ومشاكل نحن فى غنى عنها لكن الجهات المعنية لا تقدر هذه الحقائق ولا تجد من يسائلها بشأن هذه المشاريع وهو ما ينبغى على الدولة حسمه قبل اعتماد المزيد من المشاريع، خوفاً أن تتعثر هى الأخرى ويتبدد المال العام.
وأعود لقول أن كل شىء يرجع إلى غياب ثقافة الانضباط والإحساس بالوقت وما لم نرفع الوعى بهذه المسألة فإن مشاكلنا ستبقى كما هى، وسنورث المعاناة لأجيالنا.