فى الوقت الذى تنتظر فيه الحكومة قرار البرلمان بالإفراج السياسى عن برنامجها يعكف مجلس النواب ولجانه الخاصة على مناقشة البرنامج بشكل تفصيلى وعلى نحو قطاعى استعدادا لمنح الثقة للحكومة المكلفة من عدمه، وإن كان لا يخالجنى أدنى شك فى أن البرلمان سيمنح هذه الحكومة ثقته وبأغلبية مريحة حتى تشرع فى تنفيذ برنامجها، رغم انتقادات بعض النواب على البرنامج بشكل كلى أو جزئى واعتراضات عدد آخر على الإبقاء على بعض الوزراء فى الحكومة بعد التعديل الوزارى الأخير، واتهامهم الحكومة بأن ما عرضته لا يرقى لمستوى برنامج عمل حكومى محدد بإجراءات أو جدول زمنى ملزم بتوقيتات معينة، وأن البرنامج غلب عليه الطابع الإنشائى والصياغة المطاطة والكلام المرسل الذى سبق تكراره فى برامج الحكومات السابقة.
الدستور فى هذا السياق يشرح فى المادة (146) منه أنه فى حالة عدم حصول الحكومة على ثقة أغلبية أعضاء مجلس النواب خلال ثلاثين يوماً على الأكثر من عرض برنامجها، يكلف رئيس الجمهورية رئيساً لمجلس الوزراء بترشيح من الحزب أو الإئتلاف الحائز على أكثرية مقاعد مجلس النواب فإذا لم تحصل الحكومة الجديدة على ثقة البرلمان خلال ثلاثين يوماً أخرى يعد المجلس منحلاً، وهذا ما يعزى تطلع عدد كبير من النواب إلى الموافقة على برنامج الحكومة لعدة أساب أولها، خشية الوقوع فى فخ الحل والمجلس فى مستهل تجربة برلمانية حديثة وطازجة للكثير منهم لاسيما وأن ما يزيد عن 80% من أعضاء البرلمان نواب جدد ليس لديهم سابق خبرة بأعمال الرقابة البرلمانية أو التشريع. وثانيها، عدم التورط فى إشكالية تشكيل الحكومة وهى عملية سياسية وتفاوضية مرهقة يسيطر عليها التوافق والمحاصصة فى توزيع الحقائب الوزارية بين الهيئات البرلمانية للأحزاب والإئتلافات البرلمانية المؤثرة، وستسفر عنها حكومة غير متجانسة أيدلوجياً وسياسياً، وهو أمر غير مضمون العواقب فى ظل عدم وضوح الديموجرافيا السياسية لمجلس النواب وعدم تبلورهوية الأعضاء ما بين أغلبية أو معارضة، ثالثها إبراء ذمة النواب من اتهامات التعطيل وإعاقة الحكومة عن آداء عملها من ناحية، ومن ناحية أخرى مغازلة عفيفة من المجلس للحكومة لحثها على الاستجابة لمشكلات ومطالب النواب الذين أيدوها فى دوائرهم لتحسين صورتهم أمام ناخبيهم، ورابعها تجنب الحرج والمسئولية التاريخية التى ستلحق بالمجلس لو تبنى برنامج مشوه غير مكتمل النمو يُصاغ على عجل تقدمه حكومة من صُنع البرلمان وليست من صُنع الرئيس، برنامج لا يلبى طموحات فئات الشعب المختلفة، يضع السيف على رقاب النواب، ويجبر النواب إما الموافقة عليه أو الإستسلام لشبح الحل.
ولعل المدقق فى الشأن البرلمانى يعرف ما يدور داخل كواليس إئتلاف دعم مصر- تحت التأسيس حتى الآن- صاحب الأكثرية العددية تحت القبة، حيث يواصل الإئتلاف اجتماعاته بأعضائه ويبلغهم بضرورة الموافقة على البرنامج كما قدمته الحكومة، كما يُجرى مشاورات مع الكتل والهيئات البرلمانية الأخرى ويدعوها لتمرير البرنامج مقابل إفساح الطريق أمامها لشغل بعض المواقع القيادية بهيئات مكاتب اللجان النوعية، وبهذا الشكل يمنح البرلمان على طبق من ذهب قُبلة الحياة لحكومة المهندس شريف إسماعيل ويوافق على برنامجها خلال العامين والنصف القادمين، لتبدأ أولى فصول شهر العسل بين الحكومة والمجلس إذا لم يستجد ما يعكر صفو العلاقة بينهما.