برنامج الحكومة كما عرضه رئيس الوزراء فى بيانه أمام مجلس النواب نهاية مارس الماضى هو ترجمة مختصرة لاستراتيجية التنمية المستدامة لمصر 2030 التى انتهت الحكومة من إعدادها خلال الأشهر السابقة، ورغم أن البرنامج لم يغفل الإشارة إلى خطورة الأوضاع الآنية التى تعانى منها مصر إلا أنه فى تقديرى لا يمكن وصفه ببرنامج أزمة فالبرنامج لم يعبر عن الواقع باستجابات سريعة أو بإجراءات وخطط عمل استثنائية تتفق حول الأهداف العريضة للتنمية وتختلف فى تنوع الأدوات والآليات بما يتلائم ويتواكب مع طبيعة الأزمة خاصة ما يتعلق بالسياسة النقدية والضريبية وسياسات الاستثمار والعدالة الاجتماعية وإعادة توزيع الموارد والدعم وخدمات المواطنين، كما جاء البرنامج فى صياغة عامة واستعراضية لما يجب تحقيقه خلال العامين والنصف القادمين دون تحديد ما هو ممكن تحقيقه فى ضوء الإمكانيات المتاحة والتحديات الراهنة.
البرنامج لم يطرح تصورات أو رؤى واضحة لمواجهة التراجع الحاد فى الاستثمارات الحكومية فى مشروعات البنية التحتية ولم يتطرق لسبل تدبير حزم التمويل اللازمة للمشروعات التى تسعى الحكومة تنفيذها ضمن محاور البرنامج السبعة وبالأخص فى محورى البرنامج الاقتصادى أو التنمية القطاعية وهو ما يلقى بظلال من الشك حول قدرة الحكومة على الوفاء بهذه الالتزامات، وبينما تعتزم الحكومة إجراء تقييم دورى لما تم إنجازه على المدى المتوسط وإجراء تقييم شامل للبرنامج فى يناير 2018، الأمر الذى يتناقض مع طبيعة الأزمة التى تقتضى المراجعة والتقييم الدورى على المدى القصير كل 3 شهور أو 6 أشهر على الأكثر لاسيما مع قصر مدة البرنامج وإعلان الحكومة التزامها بتنفيذه بحلول يونيو 2018، كل ذلك يؤدى إلى أننا أمام برنامج تقليدى وغير ابتكارى لم يتعاطى مع الأزمة ولم يرقى لمستوى الطموح.
ولعل أهم ما استرعى انتباهى المدلول المهم فى جملة "نعم نستطيع" وهو الشعار العريض الذى عنونت به الحكومة برنامجها كدليل على الإصرار والتحدى، وجملة "نعم لازلنا فى مرحلة الخطر" التى وردت فى متن البيان لتعبر عن حجم المسئولية وحجم الأخطار والصعاب التى تكبل الموازنة العامة وخطة التنمية التى تستهدف الحكومة تحقيها للخروج من عنق الأزمة. إلا أن بين الجملتين مساحة من التفاؤل والأمل تقودنا إلى فكرة أنه من الظلم مقارنة أوضاعنا الراهنة بأوضاعنا قبل يناير 2011، سواء ما يتعلق باحتياطى النقد الأجنبى وبيانات الاستثمار الأجنبى والسياحة وقناة السويس والصادرات، أو ما يتعلق بمعدلات النمو والتضخم والبطالة، ومن ثم لا يمكن فصل البرنامج عن سياقه الزمنى فأعظم إنجاز تسعى إليه الحكومة الحالية هو أن تصل إلى معدلات تقترب أو أقل قليلاً عن مثيلاتها قبل 2011.
فليس هناك ثمة اختلاف حول ما جاء فى البرنامج من أهداف وغايات عظيمة، ولكن الاختلاف عادة يكمن فى التفاصيل والوسائل والأولويات، وفى ظل اتجاه مجلس النواب منح الحكومة ثقته للشروع فى تنفيذ برنامجها لن يبقى أمامها إلا أن تعمل وتواصل اليل بالنهار حتى لا تُتهم بالإسراف فى الوعود أو الإخلال بمسئولياتها السياسية والدستورية، وعليها أن تدرك أن ضيق الوقت أو نقص الموارد أهون عليها بكثير مما لو نفذ صبر المواطن.