لا أدرى أهى طبيعة أم غير ذلك؟ وعلى كل حال فهى طبيعة سيئة يجب إصلاحها، فقد ينغصنى القذى من تصرفات هؤلاء المفسدين وأصحاب الرشاوى، ولعل القارئ الكريم يرى معى هذه الظاهرة الفاسدة والمفسدة للمجتمع بل للأمة أجمع.
يمكن القول - دون مبالغة - إن مصر دولة صاحبة مؤسسات، ولن نختلف مع مؤسسات الدولة مهما حصل، وما شاء لنا الأختلاف دون أن يؤثر هذا الخلاف على حقيقة مؤكدة تتمثل فى الفساد الإدارى والمالى لهذه المؤسسات، فيصبح من واجب الجميع مواجهة هذه الظاهرة السلبية صاحبة الفساد.
إن الله عز وجل وصف أمتنا بأنها خير أمة أخرجت للناس لأنهم حملة رسالة الإصلاح والتطوير للناس ومن أجل الناس كافة حيث يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر والفساد.
فمحاولة إصلاح المفسدين هو جهد ضائع، فإن الخلل عند هؤلاء يشبه الكسور التى التحمت على عاهة مستديمة أو تشويه لازم، فنحن فى احتياج إلى نهضة وإلى نظام يشرف وإلى استنبات سلالات جديدة من الأجيال فى عالم الوظيفة، وهذا إذا أردنا تكويناً صحيحاً لبلادنا. فإن حالة الفساد الإدارى والمالى التى عجت وتعج بها مؤسساتنا الحكومية والخاصة والتى تم تقنينها بشكل ضمنى لتصبح ضمن المنظومة الأخلاقية السائدة فى مجتمعاتنا والتى تسببت فى تخلفنا كما يستمر أثرها فى إهدار أية جهود للإصلاح والتنمية، كما أنها تهدد مستقبلنا. وبلا شك أن الضعف والترهل فى مستوى أصحاب القيادات الإدارية سواء فى بلادنا أو البلاد الأخرى يؤكد أزمة كبيرة للبطالة أيضاً وحالة الفساد التى نعيشها وتعيشها المنطقة العربية.
أننى كثيراً عندما كنت أريد إنهاء بعض معاملاتى أنا والآخرين من العملاء، فكنت أرى الفساد منتشر والرشوة، وأخيراً أجدنى أنا والآخرين مضطرين لتخليص المعاملة بالفساد والإفساد، ودائماً أسأل نفسى أين القانون والضمير، فيخيب ظنى وأرجع إلى منزلى مهموماً مصحوباً بالندامة والندم لما تراه عينى أنا والآخرين.
فليعذرنى القارئ الكريم هنا، إذا توقفت لحظة لنذكر الجميع أننا كثيراً ما نشعر بأننا ( ننفخ فى قربة مقطوعة )، فقد نبهنا كثيراً لخطورة المفسدين، وأقول لهؤلاء المفسدين فى الأرض بأنهم من تراب وإلى التراب سوف يعودون، وإنهم لم يفكروا بأنهم أذكياء فى تخليص مصالح الناس بالرشوة والفساد، لكن أقول لهم أنهم عجزة وأغبياء.
السؤال المثير هنا هو، كيف لبلادنا أن تخرج من هذا المأزق. فليس أقل من مواجهة هؤلاء المفسدين بالقانون والتحذير والتنفيذ فى الحال، لأننا بالتأكيد فى حاجة لما هو أكثر من مواجهة هؤلاء الفاسدين الإداريين والماليين أصحاب الرشاوى فعلى كل حال من يحس أنه مفسد أن يحترم وظيفته وضميره، وأن يحسن إلى أصحاب المعاملات وألا يستفزهم من جوفاء. على كل مفسد يحس ويستشعر فى نفسه الخطأ وإنه عطل وأجل مصالح الناس أن يستشعر المعالجة فى خطئه وتصرفه تجاه أصحاب المصالح، وأن يبادر بتصحيح واقعه وتصرفاته الغير مقبولة والغير لائقة والمحرمة شرعاً، وعليه أن يحمد الله على نعمة الستر والرزق وأن إرادة الله ومشيئته فوق كل إعتبار، وما أراد الله كان، وما شاء فعل. وهذا بيان وتحذير من رسولنا (صلى الله عليه وسلم) إذ يقول: النادم ينتظر من الله الرحمة، والـمُعجب ينتظر المقت، واعملوا عباد الله أن كل عامل سيقدم على عمله، ولا يخرج من الدنيا حتى يرى حسن عمله وسوء عمله، وإنما الأعمال بخواتيمها. فعندما تنسى حق الله فأنك تتبخر فوراً فى حقوق الناس.
ولا ننسى بأن نكن كل التقدير والإحترام للمصلحيين الإداريين والماليين الذين يراعون حقوق الله وحقوق ومصالح الناس.
فعلينا أن نبادر بالإصلاح والتفعيل الإدارى فى كافة المؤسسات التى يتوجب إعادة تفكيك وبناء منظومة ذات قيمة لمجتمعاتنا العربية من جديد، فهذا الإصلاح يستوجب الإصلاح الكامل والشامل فى كافة المؤسسات من إدارة وتوجيه سياسى ومنطلقات ومعايير، وتمويل ومنظومة قيم مناسبة ووسائل وأدوات تربية إخلاقية ثقافية وتوعية ونشر وتعزيز هذه الثقافة لكافة شرائح المجتمع، بحيث تصبح التنمية والإصلاح الإدارى والمالى بثقيلها حياة فى فكر وسلوك وأخلاق للمواطن وكل هذا وذاك لن يتم تنفيذه إلا بالخطاب الدينى الأسبوعى وبث الإعلام لاستضافتهم الدعاة لبدء نهضة واعية فى محاربة الفساد الذى يجب أن نزيله.