شرفنى الله عز وجل أن قدر لى أن أزور سيناء الحبيبة فى مهمة عمل فى هذا التوقيت الذى تعانى منه هذه البقعة المباركة من أرض مصر الحبيبة وقد تجاوز عمرى الأربعين عاما ولم يكتب لى أن أزورها من قبل وقد كان حلما وتحقق بفضل الله عز وجل.
وعندما عبرت قناة السويس فى اتجاه سيناء الحبيبة وقد تدحرجت كل أحداثها المتراكمة فى ذاكرتى وعقيدتى ومخيلتى وخاصة أحداث حرب النصر فى أكتوبر العظيم وكأنى كنت أحد الجنود الذين وطأت أقدامهم رمال هذه الأرض وارتوت بدمائهم وتوجهنا نحو عمقها بالمرور على قراها وجبالها ومدنها فى ظل خوف وقلق من الأهل والأحباب وعتاب شديد لماذا فى هذا التوقيت بالذات.
ولكن أردا الله أن نصل بسلامة الله وحفظه ونلتقى بأهلها الذين يعيشون على ترابها
فإذ بى أجد شعبا يملك من قوة الإرادة والعزيمة القوية وحب للوطن لم أكن أبدا اتخيله حتى النساء والفتيات منهن يحملن قدرا من التحدى وتفاؤلا بغد قد لا يستطيع اعظم الادباء فى وصفه وكأن ما يحدث ويقلقنا جميعا فضفضة قدر أو تخيلات فنان فى لوحة فنية تصف جوا مضطربا فى فصل الخريف وليس احداث عنف وقتل وإرهاب اوحت للبعض ممن لم يتشرفوا بحمل الجنسية المصرية بان القيامة قد قامت ورحلوا بالفعل عن الدولة كلها وليس فقط عن سيناء ولكن هؤلاء هم المصريون حقا بابتساماتهم وخاصة اثناء سماع دوى الرصاص والذى لم نعرف له مصدرا ولم يشغلنا كثيرا فقد اذابت ابتساماتهم علامات القلق والترقب لدينا ورأينا الاطفال يلعبون ويمرحون والى جوارهم أو على بعد امتار منهم اسلحة ثقيلة اكاد لم ارها أو اعرف اسمائها حتى هذه اللحظة وعندما اسمع صوت هذه الاسلحة ينتابنى الخوف والقلق فانظر إلى هؤلاء البراعم فيعترينى الخزى من نفسى فأقف صلبا تقليدا بهم ورأيت مما رأيت زملاء رجال وسيدات وقد نسجن من الخيال نفسه واقعا يقف امامه حائرا كيف تم هذا وكيف برع صانعوه وأبدعوا فى ظل هذه الامكانيات اللاموجودة والمعدومة وأقرانهم يتنعمون بإمكانيات ضخمة ونعمة اكبر وهى الامن ولا تجد لديهم حتى ابتسامه تبشر بغد افضل يغرس فى نفس الاخرين التفاؤل فكانت ضمن غرائب ما رأيت وقد تمثل هؤلاء عندى قامات وقيم لن انساها بسهولة وقد تيقنت ان الله عز وجل قد كتب لنا ولمصر الخير بدليل هؤلاء البشر...
وجدت نخلا يحمل عبق التاريخ ويهتز ويتمايل طربا وفرحا وأحيانا لتفادى ما يعترى الجو من تقلبات وإرهاب طارئ سيزول امام هذا الجذور المتعمقة فى طبقات الأرض وهذه الابتسامات البشوشة والضحكة المصرية الاصيلة ونظرة التفاؤل التى يستحيل تفسيرها أو تصورها أو تقليدها
انها سيناء التى زرتها لأول مرة وكان حزنى فقط اننى لماذا هى المرة الأولى؟
لماذا لا اكون مثل هؤلاء فقد اعيانى الكدر وغادرتنى البشاشة
لماذا لا اكون مثلهم فى حمل هذا القدر من العزيمة والإصرار وتحدى الواقع المرعب فى بعض الأحيان بل وترويضه والتعامل معه وكأنهن يرغبن فى وجوده حتى يغتاظ ويزول ويفقد غبطة وجوده ويندحر هذا الارهاب الغريب علينا وعلى تراب سيناء الذهبى الفيروزى
فاليكم يا اخوتى ويا اخواتى فى سيناء اجمل تحية لا اجد فى مفردات اللغة التى اعرفها ما يوفيكم حقكم ويصفكم وصفا دقيقا ويحكى روعتكم وجمال روحكم وأناقة إصراركم وتفاؤلكم وروعة ابداعاتكم
واليكى يا سيناء الحبيبة فقد مرضتى
ويمرض كل شىء
ولكنك ابدا لن تموتى
فلم يتجلى ربك لعبده موسى إلا فيكى
وأقسم بجزء منكى فى كتابه الخالد
وعذرا لك ولأبنائك اننى تأخرت كثيرا فى رؤياك
وعذرا لقلبى ولعيونى اننى تأخرت ان ارويهما
بالنظر والتأمل فى ما تحمل من جمال وسمات وتراب وجبال وشجر وبشر
تحياتى سيناء الحبيبة