"بعد سنين التعليم دى كلها تشتغلى الشغلانة دى فى مكان زى ده"، "معلش أهو مكان تشغلى وقتك بيه".. وغيرها من تلك التعليقات السخيفة المصاحبة لنظرة شفقة غير مرضية بالمرة، تساءلت لما كل هذا؟ أليس العمل كمعلمة فى روضة أطفال شأنها شأن أى مهنة أخرى مصر؟.
أدركت تلك الأسئلة وتلك التعليقات وتلك النظرة بعد مرور بعض الوقت وأنا كمعلمة فى روضة أطفال فى منطقة متوسطة من الناحية المعيشية، أدركت أن مفهوم التعليم والعمل فى أى روضة أطفال لها معايير وتصنيفات أخرى داخل مصر.
وأن الحديث عن روضة الأطفال كمكان الاحتواء الثانى بعد حضن الأم، وأنه بمثابة النور الذى يُبث داخل قلوب الأطفال لجعلهم أشخاص أسوياء فى سنهم ذلك، وفى مجتمعهم وعالمهم الصغير، وأن القائمين على تلك المشروع بمثابة قدوة لهم، ما هى إلا كلمات عابرة فى الكتب أو على لسان متخصصى التعليم أو علم النفس التربوى للأطفال.
ولتأكيد كلامى ذلك اكتشف بنفسك تلك الحقيقة المخزية بالنزول لإحدى روضات الأطفال خاصة فى الأماكن الشعبية، سترى مالا يتمنى عقلك أو قلبك أو إنسانيتك أن تراه، سترى أماكن غير آدمية بالمرة لاحتواء أرواح صغيرة طاهرة، سترى العاملين والقائمين على ذلك المشروع ليس لهم علاقة بالمكان سواء تربويًا أو مهنيًا، وكأنهم يرغبون- دون قصد- فى إفساد تلك النبتة وموتها وضياعها للأبد، سترى أطفالًا حالهم كحال دمى قديمة ممزقة ليس لها روح تلهو داخل غبار ذلك المكان اللعين.
ونأتى لدور الحكومة الموقر المتمثل في" الشئون الاجتماعية" الدور الذى يعتبر الأكثر إدراكًا بالمسئولية الملقاة على عاتقهم، ولكن حالهم ليس أفضل من حال الروضات أو العاملين فيها، وتكتشف أن الشغل الشاغل لتلك الجهة كوّن المكان مناسبًا من حيث التصميم المعمارى وموافقة إدارة الحى التابعة لها الروضة بذلك التصميم، تلك هى معاييرهم وشروطهم الوحيدة لإنشاء أى روضة، ليس لهم علاقة بمستوى المكان أو كفاءة العاملين به، كفاءة المواد العلمية والثقافية والأنشطة التى يدرسها الأطفال.
فلا تستعجب عندما تكتشف أن هناك أكثر من 5 أو 6 روضات أطفال بشارع واحد بمنطقة واحدة، فقد اتفقوا جميعهم دون اتفاق مسبق على مبدأ الإهمال وقتل جيل لا ينتمى للإنسانية بشىء- إلا من رحم ربى-، ولا تستعجب أيضًا عندما تجد إسهامات خريجى كلية رياض الأطفال مقتصر على روضات الأطفال فى المناطق عالية المستوى فقط، فأنت فى مصر.
وخلاصة القول إن نظرة المجتمع والناس لتلك المهنة ليس ببعيدة عن نظرتهم لممرضة الدوام الليلى فى المستشفيات، نظرة اشمئزاز وأحيانًا شفقة.