لم أندهش كثيراً مما قاله أحد الدعاة بأن تجديد الخطاب الدينى يحتاج لشركة دعاية عالمية!!، وسبب عدم اندهاشى أن كثيراً ممن يهمهم أمر التجديد لا يعرفون معناه أصلا، فـــــــــ" الْخطاب" كما فى المعجم الوسيط: هو "الْكَلَام"، هكذا وبكل يُسر، والخطاب الدينى لا يقتصر على ما يطرحه العلماء فى لقاءاتهم، بل يشمل كل كلام الناس المرتبط بالدين فى الأماكن العامة والخاصة، والتجديد معناه: إدخال جديد مكان القديم وهذا ليس فى الأصول بل فى النظرة وفى الفتاوى، ورافضى التجديد يظنونه أنه مؤامرة لتحريف الدين، وانطلاقاً منى بضرورة تعاون الجميع فى الارتقاء بالخطاب الدينى أُقدّم رؤية جديدة عبارة عن سبع وصايا لنجاح الخطاب الدينى من واقع عملى كــ " مدرب تنمية بشرية معتمد " تقوم على استخدام أحدث وسائل الحوار والإقناع والتواصل الجيد والفعّال وهذه الوصايا هى:
1 - يجب التفريق الصحيح بين المجدد، وبين مبلّغ وناقل الخطاب الدينى، فالمجدد هو ليس فقط كل داعية أو إمام، بل هو الشخص الذى تخصص فى العلم الشرعى وملك آلياته وأصبح باحثاً شرعياً، واستطاع أن يتعامل مع النص الشرعى بما لا يخالف أصل الشرع، أما ناقل الخطاب الجديد أو مبلّغه فهو كل شخص يتعامل مع الناس ويخاطب الآخرين فهو يحتاج إلى خطاب دينى سمح وراقى لا يقوم على ازدراء الآخر أو التنفير، وحتى هؤلاء من غير المتخصصين لابد وأن ينقلوا عن أهل الاختصاص والعلم.
2 – ضرورة فهم طبيعة الشخص المراد تغيير تفكيره جيدا، والمطلوب منه أن يُعطينا خطاب جديد سمح، ومن ثم استخدام الطريقة الأرجى لإقناعه بها، وهى تعتمد على النقل والنصوص الدينية بنظرة معتدلة ومنضبطة، مع الاهتمام بأحدث وسائل التخاطب والإقناع، ولغة الجسد والتواصل الفعّال.
3 - الاحتياط فى قبول ما صح فقط فى التفسير وأسباب النزول لتضييق الآراء المختلفة والواردة فى التفسير ضماناً من التوسع فى الدخول فى مفاهيم خاطئة مسيئة لصحيح الدين (ولا أعنى التطرق لأحاديث الصحيحين، بل فى خارجهما ما هو متفق على ضعفه وفيه مخالفات واضحة(
4 - يجب على القائم بالخطاب الدينى الجديد المنشود أن يفترض فى الطرف الآخر معتنق ومؤيد الأفكار المتشددة أن لديه فى الأصل نية حسنة فى التمسك بالرأى المنشود، فهو يحاول جاهداً أن يلم بأشكال التدين الكامل ( من وجهة نظره )، ويجب أن نعتبر أن الآخر المتشدد معذور بعدم علمه، ونحاول أن نقرّب ونبسط له الفكر المعتدل المطلوب بأن نركز على أن فكره المتشدد ما هو إلا رأى خاطئ ناتج عن اختلاف الأفهام.
5– البعد عما يفعله كثير من المثقفين بازدرائهم والتهوين من أفعال وممارسات وأفكار الطرف الآخر المتشدد استخدامه لأدلة عقلية، وهذه كارثة بل من أعظم الكوارث والأخطاء فى تجديد الخطاب الدينى، فلم ولن يقتنع صاحب الخطاب الدينى المتشدد بهذه الأدلة العقلية لأنها تتعارض مع أصول منهجه القائم على النصوص الدينية والنقل، فعلى الراغب فى تقديم وتبليغ خطاب دينى سمح جديد أن ينقل عن الباحثين المتخصصين والمعتدلين أدلة شرعية وقوية جداً مؤيدة لفكره العقلانى، مثلاً كالإشارة إلى ضعف حديث أن الله قد شرّع لنا عيدين فقط الفطر والأضحى، فهو حديث تفرد به راو مدلس ولم يخرجه أصحاب الصحاح، فضلاً على أن فيه نكارة شديدة فى لفظه فحينما دخل النبى المدينة أول الهجرة، وكان مناسبة الحديث لم تكن شُرّعت الأعياد بعد، فقد حدث ذلك فى السنة التى تليها (2 هــــــ) بالنسبة للفطر، و(6 ه) بالنسبة للأضحى. !!
6- الاعتماد على خطاب دينى جديد ومعتدل يجمع بـين "الأضداد" والآراء المختلفة سواء المتشددة أو المتساهلة، لأن العقل بطبيعته يقتنع بالجمع بين الأضداد.
7 - التوصية بعمل قانون للخطاب الدينى المنشود عن طريق موافقة مجلس النواب عليه، وأن يشرف على صياغته الجهات الرسمية الدينية فى البلاد، ويشمل القانون على جميع ما ننشده من خطاب دينى سمح وراقى ويشمل عقوبة ما يتم ترديده أو الدعوة لأفكار مخالفة لما أوضحناه من اعتدال ووسطية، ولا يقتصر تجريم ترديد الأفكار المخالفة على المساجد أو وسائل الإعلام أو التواصل الاجتماعى بل فى الطرقات والشوارع، فنحن نحتاج لخطاب سمح معتدل حتى من البائع فى المحال، ومن المدرس أمام طلابه، ومن الموظف مع العملاء، فهو لا يقتصر على المسجد أو مواقع التواصل الاجتماعي، أو وسائل الإعلام، ومن أمثلة بنود هذا القانون: يُعاقب من يدعو للفتنة مع غير المسلمين وخاصة المسيحيين فى أى مكان وبأى وسيلة بأن يطالب بعدم تجديد أو ترميم كنائسهم، أو المطالبة بعدم بدئهم بالسلام، وغير ذلك مما لم يثبت شرعاً، ويُعاقب من يحرّم دفع الضرائب أو يحرّم فوائد البنوك، أو يدعو ويمنع من دفع زكاة الفطر نقداً، وغير ذلك من فتاوى اقتصادية مخالفة شرعاً. بل يُعاقب مع يتعامل مع الأخرين بغلظة مصداقاً لقول الله عز وجل ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾ سورة البقرة من الآية (83).
وهكذا من بنود مخالفة لأى خطاب سمح وجديد وراقى، فالقانون هو الملزم لأى فكر شارد.