قد تجد شخصين مُتحابين، ومُرتبطين ببعضهما لأبعد مدى، والزمن يُثبت لهما أنها غير قادرين على الافتراق، ورغم ذلك يفترقان، ويكون السبب مُبهمًا بالنسبة لهما، أو على الأقل بالنسبة لأحدهما، رغم أن السبب واضح وجليِّ، وهو اختلاف اللغة، فكل منهما يتحدث بلغة مُغايرة للغة الآخر، والمقصود باللغة لغة الحوار والفكر والإحساس، فنجد أحدهما روحاني والآخر عملى، أو أحدهما عميق والآخر سطحي، أو أحدهما مُضحي والآخر ذاتي، وهكذا لا يستمعان إلى بعضهما، ولا يفهمان بعضهما البعض؛ لأن كل منهما يتحدث بلغة لا تمت بصلة إلى لغة الآخر، فلا يجد كل منهما نفسه في كنف الآخر، لأن هناك قُوة تطغى عليه، تجعله يشعر بالغربة وهو بجوار الآخر.
فاللغة المشتركة هي التي تجمع البشر، وتخلق حالة من التوحد بينهما، فلا بد أن يفهما لغة بعضهما البعض؛ حتى يجمعهما ذات الإحساس، فما بالك لو كنت تتحدث والدموع تملأ عينيك، ومَنْ أمامك يضحك ويُهرج، ليس استخفافًا بدمُوعك، ولكنه لا يفهم لغتك، فما يُبكيك يُضحكه، وما يُضحكه يُبكيك، فكلاكما يعيش في دنيا غير دنيا الآخر، فإذا اختلفت اللغة، ستختلف معها تلقائيًا الأفكار، وبالتبعية كذلك رُدود الأفعال، ولو حدث ذلك ستتأثر العلاقة؛ لأنك لن تجد رد الفعل الذي كنت تتوقعه، أو على الأقل تتمناه.
ففي لحظة تأمل أن تجد من يحتويك، فلا تجده، وفي لحظة تُريد من يمسح دُموعك، فلا تجده، وفي لحظة تتمنى أن تسمع تبريرًا فلا تسمعه، فستشعر مع الوقت أنك لا تجد ضالتك في هذا الشخص، فهو لا يفهم لُغتك، ولا يُحاول أن يفهمها، فهو يستهتر بكل ما تُؤمن به، ويستخف بكل ما يُؤلمك، والعلاقة الناجحة لابد أن يُحاول فيها الطرفان، فلا يمكن أن تنجح بمُحاولات أحدهما فقط.
وأخيرًا، لا تُحاول في علاقة، إذا ثبت أن هناك تباينا في لغة أطرافها، فاللغة المُشتركة أولاً، ثم يأتى فيما بعد أي شيء، فهي الإحساس الذي تقوم عليه العلاقة؛ حتى يستطيعا أن يفهما بعضهما البعض، فيُنظما بقية الأمور بسلاسة ويُسْر.