تدثرت بما شئت من ملابس ثقيلة، رغبة فى الخروج ليلا للسير فى الحى القديم، بحواريه وأزقته. أغلقت الحوانيت أبوابها إلاّ من قلّة تفتح على استحياء، رغم برودة الجو وندرة المارة، إلاّ أن المنطقة بكاملها تحمل ذكريات يصعب نسيانها .
ترى من هذا العجوز الذى يسير متكئا على عصاه وتكاد تحمله ساقيه؟
تذكرته، اقتربت منه، ألقيت عليه تحية وسلاما، فرد بصوته المميز وباقتضاب من يخشى الغرباء، ذكّرته بنفسى وأيام خلت، وحديث بيننا ظل مستمرا سنوات طويلة.
سألته عن أحواله، فرد بنبرة تهكم، حالى كما تراه، عجوز قد طعن فى العمر حتى يأس من الحياة ويأست هى منه، يحمل هموما وذكريات تفوق سنوات عمره الطويل، فقد كل أحبته، وهجره من تبقى منهم على قيد الحياة..
ومع حديثه المرير، لمحت فى عينيه بريقا كمن لا يزال يتشبث بأهداب الحياة.
ذكر حوادث ومواقف كثيرة، سألته عن أمور تحدث حولنا، فردّ على أسئلتى بمنطق الواثق الأريب، تأكدت أن طعونه فى العمر لم ينل من عقله ..
أين تقيم الآن؟
قال: هنا وأشار بيديه، هى منطقتى التى عشت بها، وأزقتها وحواريها التى شهدت صباى وكهولتى ومؤكدا ستكون فى النهاية قبرا ومثوى لى.