بينما تجتهد القيادة المصرية الرشيدة لتعبئة جميع القوى والدول والشعوب الصديقة والمخلصة والمتعاونة مع مصر، لتحقيق أهداف الاستقرار والتنمية والاستثمار والتوظيف، ووقف نزيف العجز التجارى، والعجز المالى، وتفاقم الديون الخارجية، واستهداف العملة الوطنية، فضلا عن المواجهة اليقظة لموجات الغزو الإرهابى الأسود لحدود وطننا، وتضحيات المئات من شهداء شبابنا وفلذات أكبادنا ليرووا بدمائهم الطاهرة أرض سيناء المقدسة، لا تتوانى قوى الظلام عن التسلل من خلال الشبكات العنكبوتية للنخر فى عقول أبناء وبنات مصر الأوفياء لخلق حلقات مفرغة من التضليل والتلفيق، لزرع بذور الفتنة والتخوين بين أبناء الوطن وذخيرته وبناة حاضره ومستقبله.
ومن قبيل ذلك ما أوردته بعض المقالات والمداخلات والفضائيات ووسائط التواصل العنكبوتية من أوراق وخرائط ووثائق ومستندات تعود إلى مائتى عام أو يزيد مؤكدين بان تلك الجزر كانت من أملاك مصر تحت الولاية العثمانية أو عهد المماليك، أو فى عهد محمد على " عندما كان إقليم الحجاز تابعا لمصر" !! بل كان يجدر بأولئك المزايدين تقدير فضيلة الرجوع للحق والتسامى عن افتعال المنازعات الخاسرة مع أقرب الأشقاء والجيران والأصدقاء، بدلا من محاولة تضخيم وعيهم الوطنى الزائف.
ومن حسن الطالع أن تأتى العديد من الشهادات والقرائن والآراء الصائبة لتصحيح تلك المقولات المغرضة والحقائق المغلوطة. ومن بين من تبنى تلك الشهادات والآراء شخصيات محايدة مثل الأستاذ الكبير محمد حسنين هيكل رحمه الله فى كتابه عن حرب 67، بل ومن بعض الشخصيات ذات الخبرة الطويلة فى أروقة الأمم المتحدة والسياسة الدولية مثل الدكتور البرادعى.
كما جاءت وثائق الأستاذ عادل حمودة فى جريدة الفجر بتاريخ 15 إبريل الجارى من خلال الرابط الإلكترونى التالي: http://www.elfagr.org/2102775 حيث تأتى تلك الوثائق بحقائق وبيانات ومستندات أحدث، بل وأكثر واقعية وحجية على ما سجلته الإرادة الحرة والحكيمة لكل من قيادات مصر والسعودية، وما أقرته مؤسسات مصر السيادية وسجلات الأمم المتحدة فى هذا الملف الهام، وذلك منذ عصر الملك فاروق والرئيس عبد الناصر والرئيس السادات رحمهم الله جميعا، بل وفى عصر الرئيس السابق مبارك، وبعد هزائم مصر المريرة فى عام 1948 وفى عام 1967، وبعد مجهودات استرداد "أرض وعرض مصر" فى سيناء وما كانت مؤتمنة عليه من الأملاك السعودية فى تيران وصنافير بعد نصر أكتوبر المجيد ومعاهدة السلام التى أعادت لمصر شرم الشيخ وكل شبر من أرض سيناء الطاهرة، والتى تعانى الآن يوميا من الإرهاب الشرس الكافر، وترتوى كل يوم من دماء أبطال وشهداء الجيش والشرطة للمحافظة على أرض وعرض سيناء المصرية، ومن ثم جميع محافظات ونجوع مصر. بينما نحن ها هنا ننعم بالتناحر والتشاتم والتشدق بالهتافات والمظاهرات والتواصل العنكبوتى على شبكات التواصل مرددين تآليف وتخاريف الطابور الخامس وفلول الإخوان الذين لا يريدون وفقا لشعاراتهم الهدامة إلا: إسقاط مصر
لذلك أرجو استخدام أغلى ما وهب الله به الإنسانية كلها وهو العقل، والذى يعد أغلى ما يتمتع به شباب مصر، بمراجعة ما تتمتع به شعوب نامية ناشئة مثل كوريا الجنوبية التى تتجاوز صادراتها صادراتنا المصرية بأكثر من عشرين ضعفا وتنتج السامسونج والكيا والإل جى التى يتمنى كل شاب وشابة فى مصر والعالم أجمع اقتنائهم لها. ومع أن معظمهم لا يدينون بالمناسبة بالمسيحية أو الإسلام، إلا أن جميعهم يدينون بحب وطنهم والعمل من أجل رفعته وتفوقه وانتصاره ليل نهار. وعندما انهارت الاقتصادات الآسيوية فى تسعينات القرن الماضى، وتخلت عنهم المؤسسات الدولية، قام الشعب الكورى بأكمله ببيع ما يمتلك من ذهب وحلى ومجوهرات لسداد ديون بلده.
مع واجب التنويه بأن تعداد هذا الشعب الكورى المجد والمتفوق فى ساحات العلم والتكنولوجيا وبراءات الاختراع والانتاج والتصدير وعضوية مجموعة العشرين الأوائل فى الاقتصاد العالمي، لم يتخطى بعد حاجز الخمسين مليون نسمة، (أى 49 مليون نسمة تحديدا).
لذلك أرجو دعوة شبابنا - الذى هو ذخيرة مستقبل بلده المباركة - للتركيز على إنقاذ مصر "الأرض والعرض" الغالية علينا جميعا من التدهور الاقتصادى المريع الذى يمكن أن يحققه التكالب على الاستيراد من الخارج لكل من الأساسيات والكماليات التى يمكن تعويضها من انتاجنا الوطنى الجاد والخلاق، حتى يعتدل ميزان بلدنا التجارى الذى يئن عاما بعد عام ليصل إلى ما يقارب ال 40 مليار دولار كفارق بين صادراتنا التى تدهورت من عام 2014 من 27 مليار دولار لتناهز ال22 مليار عام 2015 وذلك مقابل وارداتنا التى تقارب ال 60 مليار دولار وفقا لبيانات مركز بصيرة، ونقلا عن وزارة المالية.
ولست فى حاجة لتفسير التأثير السلبى لذلك على مديونياتنا الخارجية المتفاقمة، أو على قيمة عملتنا المتناقصة، أو حتى على فرص العمل الضائعة، حيث تساوى قيمة العجز التجارى المقدرة بنحو 40 مليار دولار 400 ألف وظيفة مهداه سنويا من مستهلكى مصر الكرام إلى شباب العاملين والمنتجين الجادين فى جميع الأمم الأجنبية المصدرة لمصر.
وفى الختام أدعو شباب مصر الغالى والناهض إلى عدم التهاون فى حق بلده الكريم وعدم الانسياق وراء المزايدات المغرضة والداعية إلى بلبلة الأفكار وزعزعة الإيمان وتشتيت الرؤى وإثارة الفتن وشق الصفوف مما لا يمكن أن يعود بالخير على أى وطن ولا أى مواطن. ولنا فى مآسى شقيقاتنا وأشقائنا فى ليبيا وفى سوريا والعراق واليمن خير موعظة، ولهم منا كل الدعاء والسلوى والمواساة.
وبالمقابل أتمنى لكل شاب أو فتاة مصرية بذل كل ما وسعهم من جهد ومن فكر ومن عزيمة ومن رؤى للتركيز على كل ما يفيد تنامى وزيادة الانتاج الوطنى المصرى زراعيا وصناعيا وخدميا وعلميا وفكريا وثقافيا، وذلك على النحو الذى يتولاه جموع الشباب الآسيوى فى كوريا وفيتنام وبنجلاديش، والإفريقى فى كينيا وغانا ونيجيريا، فضلا عما يقوم به الشباب الأوربى من تعلم وجد وانتاج وغيرة على أوطانهم، الأمر الذى جعل معظم شباب دولنا ومنطقتنا يدفعون أغلى ما يملكون، حتى حياتهم، للحاق بهم فى قوارب متهالكة تعج بالبشر وهى منتهية الصلاحية.
وإذا كان الحاضر صعبا وتحديات المستقبل تبدو أكثر صعوبة، فلا يجب أن ننسى ما عانته كل من ألمانيا واليابان بعد اندحارهما وتدميرهما الكامل فى الحرب العالمية، وما حققته جهود شعوب كل منهما من تفوق اقتصادى وتكنولوجى على العالم أجمع، مما حدا بألمانيا أن تصبح المنقذة لليونان من أزمتها الاقتصادية الطاحنة، بل وتفتح حدودها وأبوابها لإغاثة وتشغيل ملايين اللاجئين الفارين من آتون القتل والذبح والإرهاب الأسود، فإن لدى شعب مصر والمصريين من العز والعزيمة ما يؤهله لتحقيق ما يفوق تلك الانجازات الرائعة. فلم تقبل كرامة الشعب المصرى أن تمر هزيمته واحتلال أرضه دون مقاومة أو كفاح، تجلى بتحقيق نصر أكتوبر المجيد وعودة كل شبر من أرضنا الطاهرة فى سيناء. ولا يبقى أمام هذا الشعب العظيم إلا التكاتف لبناء مصر الحديثة بعزيمة وطنية عالية وسواعد شابة قوية وعقول متفتحة واعية.
وإذا كان لنا فى كبار قادة فكرنا وإلهامنا ووطنيتنا الغالية أسوة حسنة فيجدر بنا أن نضع نصب أعيننا قول أمير الشعراء أحمد شوقى:
وللأوطان فى دم كل حر.:. يد سلفت ودين مستحق
وقول شاعر النيل حافظ إبراهيم:
وتسلقوا للمجد كل ذريعــــــــــــة.:. إنى رأيت المجد صعب المرتقى
عار على ابن النيل سباق الورى.:. مهما تقلب دهره أن يســـــــــــبقا