من المعلوم أنه بمجرد الموت يتساوى مالك مال قارون، ومن لا يملك من حطام الدنيا شيء، فمهما امتلكت من المال، والعلم والجاه لن يفيد هذا بشيء، فنحن نترك الدنيا كما آتينا لها؛ لا نملك شيء، ولكن يمكننا ترك في الدنيا ثروة جارية بأرباحها لك في الدنيا، ثروة تكن أنت في قبرك تراب وتُحّصد ربحها فتعلى منزلة في جنان النعيم، فتسأل لمَ هذه يا رب؟! فتُجاب : إنها من ولد صالح أنجب ابن صالح فدعا لك حفيدك بالخير، وخدم هذا، وأصلح هذا فصُبت بعضٌ من حسانته في ميزانك فارتفعت درجات في الجنان.
صديقي! كما أمر الله الابن بالبر لوالديه، كان الوالدان مأمورين ببرهما أيضا، فلا يؤذي الإنسان أحد قدر ما يفعل والديه، ولا يساند ويدعم الابن ويعلي من شأنه قدر والديه، فو الله لو اجتمع العالم بسوئه على الابن وكان خلفه والديه يلطفان على قلبه وعليه، ويدعمانه فما رجف له جف عين أبدًا، ولواجه العالم بعزيمة حديدية، وإرادة فولاذية، والعكس صحيح، نواة الصلاح والطلاح، والقوة والضعف، والمرض النفسي والسواء النفسي؛ هي البيت والأهل.
الإنجاب وتربية الأطفال ليس بأمر يسير؛ إذا نظرنا إليه كنواة مجتمع، وتقدم وخروج من قوقعة الهدم الذاتي والمجتمعي، والأطفال ثروة في الحياة وما بعد الممات، ثروة للمجتمع والدين والبشر، والكوكب ذاته، الأطفال هم النواة لما تريد فعله، إن أردت تدمير العالم فاستحوذ على الأطفال وازرع فيهم ما أردت، وإذ أردت تعمير فازرع ما شئت في طفلك. الأطفال ليسوا ملك أبيهم وأمهم، ولكنهما فقط وصاين عليهم، إن أحسنوا إليهم يثابوا، وإن أساءوا يُعاقبون أشد العقاب، جميع العادات والأعراف والمجتمعات والديانات تؤكد على الإحسان إلى الطفل كما أُمر الطفل ببر والديه؛ فالإحسان لابنك صغيرا يُيسر البر بك كبيرا، والإحسان إلى طفلك ليس بكثرة التدليل؛ فالتدليل لا يبني أمة ولا يفيدها، ولا يُسمى إحسانا إن كان بالقسوة؛ فالقسوة لا تُربي بل تهدم، ولكن بالاعتدال؛ تارة عطف وحنان وتدليل، وتارة حزم وشدة، تارة تقف جاره حتى يمر للجانب الآخر من الطريق، وتارة تجعله وحده يعبره وتقف خلفه تشجع، تارة تلهو معه، وتارة تلقيه في المهام ليقوم بها، تارة تسامحه، وتارة تعاقبه وهكذا؛ اخلط -يا رفيق - بين الشدة واللين، ولكن لا تلين كل اللين فيخرج ضعيف لا يقدر على مواجهة العالم إلا بك، ولا تقسو فتُخَرّج للعالم طفل لا يعرف عن السواء النفسي شيء ولا حتى صفته على الورق.
رفيقي! أطفالك ثروة في حياة والممات وما بعدهما فأحسن بناءها حتى لا تخور في لحظة، أو فترة من فترات الحياة فتنهدم أنت في الحياة والممات.
رفيقي! كما سيُسأل أطفالك على برك يوم الوعيد، ستُسأل أنت على إحسانك وتربيتك لهم قبلهم.
رفيقي! أولادك ليسوا بعقار أو مال امتلكته لتفعل فيه ما شئت، ولكنهم وديعة عندك، ستُرد منك يوما وتجلس أمام قاضي السماء والأرض ويحاسبك على كل ما فعلته لهم وبهم، فإن رجحت كفة إحسانك وحسن تربيتك لهم؛ فيا سعدك! ويا لحظك!، وإن كان غير هذا فلا أظن أنك لك بهذا طاقة!
رفيقي! تذكر أن صلاح الدين كان طفلا، أن أنور السادات كان طفلا، أن ابن تميمة كان طفلا، وأحمد زويل كان طفلا، وإديسون كان طفلا، و عظماء التاريخ والدين والعالم كانوا أطفالا أُحسن إليهم ورُبوا تربية عظيمة حسنة نافعة فغيروا التاريخ والعالم ومسار الكوكب، ولعل ابن رحمكِ وابن صلبك غدا يكن له من تغيير العالم نصيب؛ فاحسن إليه يُحسن للعالم ويُحسن إليك في قبرك ويكن صدقة جارية.
كم من عالم أٌميّ في تربية أطفاله، وكم من أُميّ عالم في تربية أطفاله! فليس العلم دليل على التفوق في التربية.
وفي هذا المجال انصح بمجموعة سماعية ( محو الأمية التربوية)