أُثيرت قضايا كثيرة فى الفترة الأخيرة وبعضها لا يزال مشتعلا وتظهر يوما بعد يوم مشكلات جديدة.
حتى وقت قريب، قبيل انتشار مواقع التواصل الاجتماعى كان الحديث عن هذه القضايا محل اختصاص النخبة أو فئة المشتغلين بالثقافة والشأن العام، إذ المتبع فى مثل هذه الأحوال أن نجد أحدهم وقد اضطجع واضعا ساق على ساق، متخذا سمت الحكماء والفلاسفة ثم يُفتى ما شاء له الإفتاء ويقدم التفسير تلو الآخر للمثار من مشكلات وقضايا بعضها مما يُمكن أن نُطلق عليه بالعويصة أو القومية أو الشائكة.. على العموم، ما من مشكلة أو قضية إلاّ وتصدر لها هؤلاء وهم كُثر ومنتشرين فى الاعلام المرئى والمسموع.
حتى نُعطى هؤلاء حقهم ونفيهم قدرهم نزعم كما أوهمونا أنهم مؤهلين للإفتاء والتحليل والتفسير وطرح الحلول لقضايانا ومشكلاتنا، لكن يهوى الزعم والمنطق للحضيض كلما نظرنا حولنا فوجدنا المشكلات تتراكم بعضها طبقات فوق بعض حتى تصل لعنان السماء وترتفع حتى تعلو على تلال القمامة المحيطة بنا، والمقاربة بين تلك الآراء والإفتاءات وبين تلال القمامة ليست ببعيدة، فالنتائج هى المعيار للحكم على تفسيراتهم وتحليلاتهم، ودائما النتائج سلبية ودائما وأبدا المحصلة صفر، لكن المتأمل فى المشهد العام قبيل يناير 2011 ( وحتى الآن ) يجد توسعا جماهيريا كبيرا فى الرؤى والتفسيرات والتحليلات للقضايا الاجتماعية والسياسية، ونزعم أن ثمة رابطة قوية بين تطور توظيف وسائل التواصل الاجتماعى عبر الانترنت وبين زيادة جرعات الوعى العام بين الجماهير بصورة فشلت النُخب والمشتغلين بالثقافة والشأن العام بتحقيقها، نجحت التقنية الجديدة، وتمكّنت من تغيير اتجاهات العامة "نسبة كبيرة" حيال قضايا وموضوعات مزمنة وعاجلة، ومكّنتهم فعلا من التعبير عن آرائهم وأوصلت أصواتهم وطُرحت على أيديهم حلولا، وصنعت منهم قوة لا يُستهان بها، قائمة دائما ومؤثرة أحيانا.
لكن أيضا يظل ما حدث مقلقا لغالبية النخب والمشتغلين بالثقافة والشأن العام، إذ يرون فى ذلك خطرا داهما على وجودهم ومكانتهم بين الناس، فى وقت أصبح الجميع "الغالبية إن شئنا الدقة" يدرون ويدركون كثيرا مما يحدث حولهم ويملكون قدرة على توصيل أصواتهم متجاوزين كافة الأشكال القديمة من المُنظّرين.
خطر داهم رأوه شاخصا أمامهم، متناسين عن جهل أو تجاهل أن الحركة دائما تتحول إلى تطور واندفاع، وأن للتقنية شئنا جميعا أم أبيّنا دورا فيما حدث ولا رجوع عنه.. وكأنهم كقوى نخبوية تسعى لكبح جماح الحركة وإيقاف عجلة التطور، محاولة سقيمة ضد القانون الطبيعى للتطور، من شأنها أن تودى بأصحابها لنهايات وصلت لها الديناصورات قبل ملايين السنين.
يعيب المشتغلون بالشأن العام، على العامة أنهم أصبحوا يُفتون فى كل شىء وأنهم يتكلمون فيما لا يعون، من منطلق أن العلم والفتوى دائما حكرا للنخبة سواء من سياسيين أو رجال الدين.