نظرت الجدة العجوز لحفيدها، بصوت حزين: هامسة قدر المستطاع حتى لا يسمعها أحد.
يا ولدى، أرى فيك صورة أبيك الذى فقدته فى ريعان شبابه، وأحصى أيامى القادمة فأراها قليلة، نظر لها الشاب فى ذهول ولم يعرف بما يجيب.
لم تتركه كثيرا فى حيرته، إذ نهضت فى تثاقل لهرم وشيخوخة بادية عليها، وفتحت صندوقا خشبيا وأخرجت منه "صُرّة" حملتها وبدا أنها ثقيلة، فهُرع لها لمساعدتها، فأعطتها إياها، قائلة له:
ولدى هذا ما أمكننى أن أحتفظ به لك ولأخيك، جزء من إرث من نصيب أبيك وأخشى ألاّ تستطيعان أن تنالا نصيبكما من بعدى.
أطال الله فى عمرك يا جدة، لكن هذا حديث لم يحن وقته بعد ولا أتصوره ولا أرغب فى الخوض فيه.
لا تجادلنى كثيرا، خذ هذه "الصُرّة" فهى تحوى كمية لا بأس بها من المشغولات الذهبية التى ورثتها عن آبائى، هى حق لكما أنت وأخيك، أنا أدرى بمن سيخلفنى من بعدى، وأعى ماذا سيفعلون.
هو حق للجميع، وإن فعلت أكن مثلهم، وأستولى على ما لا يحق لى، فدعى الأمور تسير كما شاء الله لها، أطال الله فى عمرك.
نظرت إليه برهة من الوقت دون تعقيب، نظرة حار الشاب فيها وفما حوته من معانى.
بعد عشرات السنين، وبعد أن حصل على الفتات من الإرث، تمكّن من فك شفرة النظرة والمعانى الكامنة بها، أيقن إنها قالت بينها وبين نفسها وهى تنظر إليه وهو يرفض النصيحة والصُرّة بما حوته من مشغولات ذهبية "ستعيش حياتك كلها ترفل فى السذاجة ولن تعى خطورة رفضك الآن".