نبين فى مسألة تحريم دفع الضرائب أنه ثبت فى الشريعة تحريم المكوس وهى الإتاوة المفروضة ظلماً على الناس بدون تقديم خدمات مقابلها، أما الضرائب بأشكالها المعاصرة والمفروضة لتغطية نفقات المصروفات فهى جائزة عند حاجة الدولة إليها، مع مراعاة العدل وعدم التعسف فى فرضها، ونذكر قصة وردت عن أحد الحكام وهو يوسف بن تاشفين فقد أمر أن يأخذ من أموال الناس ما يفى بمصاريف الجيش، لأن ما فى بيت المال لم يعد كافيا، فاستشار فقهاء وقضاة المغرب فأجازوا له ذلك، وكان فيهم أبو الوليد الباجى الإمام المالكى المعروف، ثم نبين ضعف حديث «لَيْسَ فِى الْمَالِ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ». وقد أخرجه ابن ماجة فى سننه ( 1789) وتفرد بهذا اللفظ يحيى بن آدم مخالفاً لجماعة من الرواة خمسة على الأقل فيهم من هو أوثق منه ومنهم ( محمد بن الطفيل، وبشربن الوليد، والأسود بن عامر، وشاذان، وأسد) وقد رووه بدون " ليس".
ونؤكد أنه قد صح عن السلف خلافه، ومنها ما أخرجه الطبرى ( كما فى تفسيره 23/613) عن ابن عباس فى قوله: ﴿ وَالَّذِينَ فِى أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾ يقول: "هو سوى الصدقة يصل بها رحمه، أو يقرى بها ضيفا، أو يحمل بها كلا أو يُعِين بها محرومًا".
ونختم بما نقله الإمام القرطبى من الاتفاق على جواز أخذ الدولة للمال غير الزكاة كما فى تفسيره (2/242)
" وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا نَزَلَتْ بِالْمُسْلِمِينَ حَاجَةٌ بَعْدَ أَدَاءِ الزَّكَاةِ فَإِنَّهُ يَجِبُ صَرْفُ الْمَالِ إِلَيْهَا".
وبالنسبة لتحريم فوائد البنوك نؤكد أولاً على تحريم الربا أصلاً فقد حرمته جميع الأديان السماوية، ونحصر نقطة الخلاف فى فوائد القروض أو بمعنى أدق تحديد نسبة معينة مقدماً على رأس المال، فهم لم يقتنعوا بما قاله الإمام أبو حنيفة وأبو يوسف بأنه: لا ربا فى الفلوس الرائجة، أو قول الإمام أحمد ببيع فلس بفلسين الصحيح منهما الجواز.
ونبين أن مجرد ذِكر رأس المال فى قوله تعالى: ﴿ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ ﴾ سورة البقرة (279) ليس معناه تحريم أى فائدة أو منفعة على أصل المال ونشير إلى أهم ما جاء فى تفسير الآية عن السلف، وهو ما أخرجه الطبرى فى تفسيره (برقم 6275) عن ابن زيد فى قوله ﴿ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ ﴾: لا تنقصون من أموالكم، ولا تأخذون باطلا لا يحلُّ لكم، ثم نؤكد أن قاعدة " كل قرض جر منفعة فهو ربا" ليس على إطلاقها، وبرغم كونها قاعدة فقهية يستخدمها الفقهاء، إلا أنها ليست على إطلاقها وأصلها حديث ضعيف لم يصح، وجمهور السلف على أن المنفعة مكروه وليست حراما، فقد أخرج عبد الرزاق فى مصنفه برقم (14657) وغيره عن ابْنِ سِيرِينَ ومَعْمَر وَقَتَادَة والْحَسَنِ، وَمُحَمَّدٍ وعطاء وإبراهيم قَالَوا: "كُلُّ قَرْضٍ جرَّ مَنْفَعَةً فَهُوَ مَكْرُوهٌ".
ونوضح أيضاً أن شرط الرضا من شروط موافقة الطرفين على اختلاف مبلغ القرض وهو مما جاء عن السلف ومنهم الشعبى، فقد أخرج عبد الرزاق فى مصنفه برقم (14661) عن عِيسَى بْنُ أَبِى عَزَّةَ قَالَ: اسْتَقْرَضْتُ مِنْ رَجلٍ دِينَارًا نَاقِصًا، فَلَمْ يَكُنْ عِنْدِى إِلَّا دِينَارًا يَزِيدُ عَلَى دِينَارِهِ، فَقُلْتُ لَهُ: هُوَ لَكَ، فَقَالَ الشَّعْبِيُّ: مَا ذَاكَ؟ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: «لَا يَحِلُّ لَهُ»، فَقُلْتُ: أَنَا أُحِلُّهُ لَهُ، فَقَالَ: "وَإِنْ أَحْلَلْتَهُ لَهُ فَقَدْ حَلَّ".
ونوضح أيضاً ما جاء عن عمر بن الخطاب أن الربا المحرم مقصور على ارتباط الزيادة بالتأجيل بإسناد مرسل قوى (من أقوى المراسيل)، وهو ما أخرجه عبد الرزاق فى مصنفه برقم (14647) وغيره من طرق عن ابْنِ سِيرِينَ، أن أُبَى بْنَ كَعْبٍ تَسَلَّفَ مِنْ عُمَرَ عَشَرَةَ آلَافٍ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ أُبَى مِنْ تَمْرَتِهِ، وَكَانَ مِنْ أَطْيَبِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ تَمْرَةً، وَكَانَتْ تَمْرَتُهُ تُبَكِّرُ، فَرَدَّهَا عَلَيْهِ عُمَرُ، فَقَالَ أُبَيٌّ: لَا حَاجةَ لِى فِى شَيْءٍ مَنَعَكَ تَمْرَتِى، فَقَبِلَهَا عُمَرُ، وَقَالَ: "إِنَّمَا الرِّبَا عَلَى مَنْ أَرَادَ أَنْ يُرْبِى وَيُنْسِئَ"
ونركز على الفرق الواضح بـين القروض والديون من هذه الأدلة.
فقد أخرج ابن أبى شيبة فى مصنفه برقم (21017) عَنْ طَاوُسٍ وإبْرَاهِيمَ، قَالَ: "إِذَا كَانَ أَصْلُ الْحَقِّ دَيْنًا، فَلَا تَأْخُذْ مِنْهُ إِلَّا مَا بِعْتَهُ بِهِ، فَإِنْ كَانَ قَرْضا، فَلَا يَضُرُّكَ أن تَأْخُذَ غَيْرَ مَا أَقْرَضْتَهُ" ونركز على أن الفائدة على القرض تختلف عن الفائدة أو المنفعة على الدينّ.