كان يعيش بين أسرته، أم تحنو عليه وأب يرعاه ويسعى لتوفير متطلباته وتوفير حياة كريمة له ولشقيقه، حياة هانئة بفضل الأب الذى لم يدخر جهدًا فى سبيل إسعاد أولاده وتوفير مستقبل أفضل لهم عبر إلحاقهم بمدارس لغات.
سنوات قصيرة عاشها ذلك الابن مرت كالحلم، انتهت سريعا بوفاة الأب تاركا زوجة وطفلين أكبرهما فى المرحلة الإعدادية بلا أى مصدر دخل، لتبدأ معها رحلة الابن عبد الرحمن فى البحث عن عمل لتوفير مصدر دخل للأسرة .
يقول عبد الرحمن 22 عاما من محافظة الجيزة: "مثّلت لى وفاة أبى صدمة كبرى وما زلت أتذكر لحظة وفاته بكل تفاصيلها، كنت حينها أؤدى امتحان نهاية العام بالمرحلة الإعدادية وعند رجوعى للمنزل أخبرونى بنقل والدى للمستشفى ولم يعد للمنزل، حيث توفى بالمستشفى، وأكملت الامتحانات وقتها مع صدمة رحيل والدى وبعد نهاية الامتحانات كان علىّ البحث عن عمل".
خجل وارتباك وخوف من عدم التوفيق، مشاعر مختلطة انتابت عبد الرحمن، خلال البحث عن فرصة عمل فلم يكن يملك تجربة سابقة، بجانب أن معارفه محدودة تقتصر فقط على زملاء الدراسة، لذلك لم تكن هناك فرصة للحصول على عمل وهو ما يعبر عنها بقوله: "بحثت كثيرا ولكن لم أوفق حتى جاءت الصدفة وهى تلف الكمبيوتر الخاص فتوجهت به إلى محل صيانة مجاور لمنزلى وطلبت من مالك المحل العمل ورحب بى على الفور، ومع الوقت أتقنت صيانة الأجهزة وانتقلت لصيانة كاميرات المراقبة مع التوسع فى استخدامها مؤخرا من قبل الأفراد والأنشطة التجارية المختلفة، ومع الوقت اتجهت للبحث عن فرصة عمل أخرى توفر لى أموال خاصة مع انتقالى لمرحلة الثانوية العامة وما تطلبه من نفقات باهظة.
وتابع عبد الرحمن: "لذلك بحثت عن مجال عمل آخر بجوار عملى فى صيانة الكمبيوتر وكاميرات المراقبة، واتجهت للجزارة، خاصة أنه يوجد عدد من أقاربى يعملون بها، منهم جدى وأشقاء والدتى، ذهبت إليهم وتعلمت منهم المهنة كيفية الذبح وتقطع وتشفية اللحوم وهى مهنة ممتعة أحببتها بشدة بجوار الرسم هوايتى الأولى، فكنت بمجرد انتهائى من عملى بالجزارة أصعد بسرعة لغرفتى وأمسك بالفرشاة وأبدأ فى الرسم، كنت فى البداية أرسم بعض الأشكال البسيطة من الشخصيات الكرتونية ومنها ميكى، وبطوط، وغيرها وتطور الأمر لرسم البورتريهات، وذلك من خلال تطوير مهاراتى ذاتيًا فلم يكن هناك أى إمكانية مادية للالتحاق بكورسات تدريبية".
الجمع بين مهنة الجزارة ورسم البورتيرهات عرّضت "عبد الرحمن" للعديد من المواقف التى تباينت ما بين الدعم والسخرية أو الدهشة، خاصة مع التحاقه بمعهد لدراسة الهندسة المعمارية، ويقول عبد الرحمن: "بعد عملى فى الجزارة مضطرا فى البداية بحثا عن مبلغ إضافى يساعدنى فى توفير نفقات الدراسة خلال مرحلة الثانوية، وتمكنت بعد عدة أشهر فقط من القيام بكامل العمل بمفردى، اكتشفت حبى لهذه المهنة، لذلك استمريت فى العمل حتى بعد الالتحاق بمعهد الهندسة بشكل منتظم، ولكن مع استمرار الدراسة وجدت صعوبة فى الانتظام والتوفيق بين عملى فى الجزارة بالتزامن مع صيانة أجهزة الكمبيوتر وكاميرات المراقبة، لذلك اتجهت مؤخرا للعمل فى الجزارة فى المواسم فقط خلال شهر رمضان والأعياد".
وتابع عبد الرحمن: "الجمع بين الجزارة والهندسة ورسم البوتيريهات مع صيانة الأجهزة عرضنى للكثير من المواقف المتباينة بين جيرانى وزملاء الدراسة، فهناك من كان يشاهدنى بأدوات الهندسة، وبعدها يرانى مرة أخرة بملابس ملطخة بالدماء وأعمل داخل أحد محال الجزارة، ولا يمر وقت حتى يشاهدنى مرة أخرى داخل محل لصيانة أجهزة الكمبيوتر، وهو ما كان يشد انتباه جيرانى فى البداية، ولكنهم اعتادوا على ذلك وتلقيت منهم الكثير من كلمات الدعم والتشجيع، وهو ما حدث أيضا مع زملائى الذين رفضوا فى البداية عملى فى الجزارة، مفضلين أن يقتصر عملى على صيانة الكمبيوتر ورسم البورتيريهات، ولكن مع الوقت تفهموا حبى لهذه المهنة وأطلقوا على (المهندس الجزار)، وهو لقب يسعدنى لتذكيرى بأهمية العمل الذى أؤديه من أجل مساعدة والدتى وشقيقى الذى يدرس بالمرحلة الإعدادية فى الوقت الحالى".