برغم حاجة الإنسان إلى المكاشفة والمراجعة لنفسه فى رمضان، إلاّ أن أكثر الناس لا يقفون مع ذاتهم وقفة تأمل وانفتاح، وهذا ما يتهرب منه الكثيرون، كما يتهرب البعض من إجراء فحوصات طبية لجسده، خوفاً من اكتشاف أمراض تثير مكامن الحزن فى نفسه، وتلزمه الامتناع عن بعض المرغوبات، أو أخذ علاج معين!!
أنماط غريبة يتعارض ظهورها مع الشهر الكريم، غشاشون، محتكرون للسلع، مغرورون بالدنيا، وغيرهم.
فإلى الغشاشين فى الامتحانات: الْعَاقِلُ مَنْ رَاقَبَ الْعَوَاقِبَ، وَالْجَاهِلُ مَنْ مَضَى قُدُمًا وَلَمْ يُرَاقِبْ، إنهم قد مَدُّوا أَيْدِيَهُمْ إلى الْحَرَامِ، وَأَكْثَرُوا مِنَ الزَّلَلِ وَالآثَامِ، وَكَمْ وُعِظُوا بِمَنْثُورٍ وَمَنْظُومٍ مِنَ الْكَلامِ، أيها الغشاشون: مَتَى تَفِيقُوا مِنْ هَذَا الْمَرَضِ الْمِرَاضِ؟
أين أنتم ممن حَبَسُوا النُّفُوسَ فِى سِجْنِ الْمُحَاسَبَةِ، وَبَسَطُوا عَلَيْهَا أَلْسُنَ الْمُعَاتَبَةِ، وَمَدُّوا نَحْوَهَا أَكُفَّ الْمُعَاقَبَةِ؟.
وإلى محتكر الأرز والدواء وغيرهما حتى يستفيد من ارتفاع السعر، يَا هَذَا قَدِّمْ دفتر حِسَابِ أعمالك على حِسَاب أموالك قَبْلَ الْغُرُوبِ.
يا أيها المحتكر:أَيْنَ مَنْ جَمَعَ الأَمْوَالَ وَتَمَوَّلَهَا، وَطَافَ الْبِلادَ وَجَوَّلَهَا، وَشَقَّ أَنْهَارَ الأَرْضِ وَجَدْوَلَهَا؟
أَوَ لا يَعْلَمُ المحتكر أَنَّهُ قَدْ غَرَسَ لِنَفْسِهِ شَجَرَةً يَتَسَاقَطُ عَلَيْهِ كُلَّ حِينٍ مِنْهَا ثَمَرَةُ نَدَمٍ مِنْ غير هز، فإذ اقام فِى الْقِيَامَةِ شَاهَدَ أَغْصَانَ مَا غَرَسَ قَدْ تَعَاظَمَتْ حَتَّى أَخَذَتْ برَّ الْبرِّ.
وإلى الذى عاهد نفسه على التوبة والإنابة ونسى: يَا نَادِمًا عَلَى الذُّنُوبِ أَيْنَ أَثَرُ نَدَمِكَ؟، أَيْنَ بُكَاؤُكَ عَلَى زَلَّةِ قَدَمِكَ ؟, أَيْنَ حذرك من أليم الْعِقَابِ؟, أَيْنَ قَلَقُكَ مِنْ خَوْفِ الْعِتَابِ؟، أَتَعْتَقِدُ أَنَّ التَّوْبَةَ قَوْلٌ بِاللِّسَانِ؟، إِنَّمَا التَّوْبَةُ نَارٌ تَحْرِقُ الإِنْسَانَ. جَرِّدْ قَلْبَكَ مِنَ الأَقْذَارِ، ثُمَّ أَلْبِسْهُ الاعْتِذَارَ، ثُمَّ حَلِّهِ حُلَّةَ الانْكِسَارِ..
وإلى المرائئ الذى يتظاهر بكثرة العبادة ولم يُصلح سريرته: أيها المُرائئ ذُنُوبُكَ ظَاهِرَةٌ لا تَحْتَاجُ إلى تَفْتِيشٍ، كَيْفَ تَلْحَقُ الصَّالِحِينَ ؟وَهَلْ يَطِيرُ طَائِرٌ بِلا رِيشٍ ؟، تَغْتَابُ الرُّفَقَاءَ وَتَعِيبُ الأَصْدِقَاءَ مَعَ مَنْ تَعِيشُ، لا عَمَلُكَ لَنَا خَالِصٌ وَلا تُقَاكَ لِهَوَاكَ متجانس، لَقَدْ رَضِيتَ الْمَعَايِبَ وَالنَّقَائِصَ.
وإلى من يهتم بظاهره فى رمضان دون باطنه: يَا غافل الْقَلْبِ وَمَا لِلْقَلْبِ نُورٌ، الْبَاطِنُ خَرَابٌ وَالظَّاهِرُ مَعْمُورٌ.
وإلى الذين يشهدون الزور فى رمضان: سَتَحْزَنُ بَعْدَ السُّرُورِ عَلَى تِلْكَ الشُّرُورِ إِذَا وُفِّيَتِ الأُجُورُ، وَبَانَ الْمُوَاصَلُ مِنَ الْمَهْجُورِ, وَنَجَا الْمُخْلِصُونَ دُونَ أَهْلِ الزُّورِ.
وإلى الذى يعبد الله ويغتاب الناس فى رمضان: تُصَلِّى وَلَكِنْ بِلا حُضُورٍ، وَتَصُومُ وَالصَّوْمُ بِالْغِيبَةِ مَغْمُورٌ كَمْ بَارَزْتَ بِالْقَبِيحِ وَالْكَرِيمُ غَفُورٌ.
وإلى الحريص على الدنيا: يَا حَرِيصًا عَلَى الدُّنْيَا مَضَى عُمْرُكَ فِى غَيْرِ شَيْءٍ، أَيْنَ التَّيَقُّظُ لِحُلُولِ الثَّرَى؟, يَا أَسِيرَ رُقَادِهِ، يَا مَرِيضَ فَسَادِهِ، يَا مُعْرِضًا عَنْ رَشَادِهِ، يَا مَنْ حَبَّ الدُّنْيَا فِى سَوَادِ سَوَادِهِ، هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أو تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا.
وإلى المتعلق بالدنيا الغرور، وإلى المُسْتَأْنِسٌ بِالْمَنَازِلِ وَالدُّورِ: لا بُدَّ أَنْ تَخْرُجَ مِنَ الْقُصُورِ عَلَى التَّوَانِى وَالْقُصُورِ، لا بُدَّ مِنَ الرَّحِيلِ إلى بِلادِ الْقُبُورِ عَلَى الْغَفَلاتِ وَعَلَى الْفُتُورِ.
وإلى المضيّعين أوقاتهم فى رمضان فى غير فائدة: آنَ الرَّحِيلُ وَمَا عِنْدَكُمْ خَبَرٌ، إلى كَمْ تُوعَظُونَ وَلا تَتَّعِظُونَ، وَتُوقَظُونَ وَلا تَتَيَقَّظُونَ، وَتُتْعِبُونَ النَّاصِحَ وَلا تَقْبَلُونَ، وَيَكْفِى فِى الْبَيَانِ رُؤْيَةُ الأَقْرَانِ يَرْحَلُونَ، أَكُلِّفْتُمْ مَا لا تُطِيقُونَ؟، أَكُلِّمْتُمْ بِمَا لا تَفْهَمُونَ؟، مَا لَكُمْ عَنْ مَآلِكُمْ مُعْرِضُونَ، مَا هَذَا الْفُتُورُ وَأَنْتُمْ سَالِمُونَ؟، مَا هَذَا الرُّقَادُ وَأَنْتُمْ مُنْتَبِهُونَ؟
لماذا نفعل ذلك فى رمضان؟.