فى كل عام فى شهر رمضان تطالعنا القنوات التلفزيونية بعدد من المسلسلات المتنوعة والمثيرة للجدل سواء فى موضوعاتها أو فى ميزانيتها وقد نتفق أو نختلف حول مضمونها وسيناريوهاتها، لكن هذا العام ظهر لنا مسلسل مختلف وهو الأكثر إثارة والأشد أهمية لكل من يشارك فيه بشكل أو بآخر وهو مسلسل ''ثانوية التسريبات''.
من أول يوم فى الامتحانات ونحن نشاهد ونسمع عن تسريبات فى معظم المواد بداية من اللغة العربية والتربية الدينية التى تم إلغائها ونجت اللغة العربية من نفس المصير رغم أن كل المؤشرات تؤكد تسريبها وخصوصاً بعد بيان الداخلية الأخير حول القبض على المتهم الرئيسى بتسريب امتحانات اليوم الأول.
ثم يشتد السيناريو إثارة وخطورة بعد ظهور عددا من المواد المسربة على مواقع الإنترنت بعد دقائق قليلة من بدأ الامتحانات وكادت اللغة الفرنسية والاقتصاد أن يلقيا نفس مصير التربية الدينية فى الإلغاء لكن لسبب أو لآخر تم التغاضى عن ذلك وإنتهاءا بإلغاء إمتحانات الرياضيات التطبيقية ''الديناميكا'' وتأجيل الرياضيات البحتة ''الجبر والهندسة'' والتاريخ مما يؤكد أن هناك حالة من التخبط.
كل ما حدث فى إمتحانات الثانوية العامة هذا العام يؤكد أننا نواجه مشكلة كبيرة ومهزلة فاقت كل التوقعات بعد أن وصلت التسريبات حدا لا يمكن إغفاله فهذه التسريبات لا تخص امتحانا تقليديا أو خبرا عاديا بل المسألة أكبر بكثير فهى ظاهرة تهدد الأمن القومى وتضرب بمصداقية أهم وأصدق شهادة فى مصر فالثانوية العامة ليست مجرد شهادة عادية بل هى شهادة معتمدة ونزيهة وصادقة لتأهيل الطلاب للكليات المختلفة، لا واسطة فيها ولا محسوبية بل تعتمد بشكل أساسى على مجهود الطلاب لا فرق بين ابن وزير أو ابن غفير إلا بما كتبه فى ورقة الامتحان.
لابد من محاكمة كل المسئولين عن هذه التسريبات فلم يعد الأمر قاصرا على من تم القبض عليهم بل كل المؤشرات تؤكد وجود غيرهم بعد أن تم تسريب بعض المواد عقب القبض على المتهمين الرئيسين ولم يعد الأمر قاصرا على شاومينج فعقب القبض على شاومينج يظهر لنا مئات يطلق عليهم اسم شاومينج، ناهيك عن مهازل سماعات البلوتوث التى يركبها بعض الطلاب فى آذانهم وغيرها من وسائل الغش الأخرى.
كل عام كانت تأتى التسريبات عقب بدأ الإمتحان لكن الكارثة أن تأتى التسريبات هذا العام قبل وبعد بدأ الإمتحان مما يجعلنا نطالب بمحاكمة كل المسئولين عن هذه المهزلة سواء المسئولين عنها سياسياً أو المسئولين عنها جنائيا، لابد من تفعيل القرارت الخاصة بتعيين المسئولين عن كنترولات الثانوية العامة واستيفاء شروط خاصة فى تعيينهم بعيداً عن الواسطة والنفوذ والمحسوبية وعدم استمرارهم فى أماكنهم لأكثر من 5 سنوات فلا يجب أن يظل هؤلاء فى أماكنهم لسنوات وسنوات.
دائماً ما كان يتحمل المعلم البسيط المنتدب لامتحانات الثانوية العامة المسئولية عن أى تسريب ويتم النظر إليه بصفته المتهم الرئيسى فى الموضوع والآن وبعد أن اتضحت الرؤية وعرفنا أن هناك متهمين آخرين فهل سيتم محاسبتهم؟
لابد من محاسبة كل من ثبت ضلوعه فى هذه القضية بتهمة الإضرار بالأمن القومى وبتهمة إهدار المال العام نتيجة إعادة بعض الامتحانات ولابد من إيجاد طريقة لتعويض الطلاب الذين تضرروا نتيجة لما حدث فى ثانوية هذا العام لأن البعض استفاد من التسريبات قبل وبعد الإمتحان لكن الغالبية العظمى من الطلاب لم يشاركوا فى هذه الجريمة بل تعرضوا لأضرار نتيجة لها وسوف يعانوا الامرين عقب إعلان النتيجة وأثناء تنسيق القبول بالجامعات.
لابد من تشكيل لجنة تقصى حقائق حول تسريبات الثانوية العامة لمعرفة المتسبب ومعالجة آثار التسريبات ولتجنب وقوعها الأعوام القادمة وقبل هذا وذاك لابد من إقالة وزير التربية والتعليم ورئيس لجنة إمتحانات الثانوية العامة وتغيير الكنترول بشكل كامل. يلى ذلك وضع خطة لإصلاح منظومة التعليم ككل. حفظ الله مصر من كل مكروه وسوء.