قضى نحبه "غرقا" خبر صغير لا يزيد على سطر واحد تناقلته على استحياء بعض صفحات التواصل الاجتماعى، دون توضيح، دون أن يهتم أحد بفهم ما جرى، وأيضا دون أن يثير الأمر رثاء أحد، ربما قرأ الخبر بعض الناس، والمؤكد أن الغالبية لم تتوقف أمامه كثيرا.
عبد التواب أو " توبه " اختصارا للاسم ولا أظنه تدليلا للشخص، واحد من السائرين بالشوارع من يُطلق عليهم " المجاذيب " عدد لا بأس به تعج به الميادين والشوارع، يلاحظهم الناس ويألفون فعالهم وتصرفاتهم الغريبة، ومن هؤلاء " توبه " بوجودهم يكتمل للشارع والميدان تناغمه الغريب، ودلالة على التناقض بين العقل حسب فهمنا له وبين اللاعقل لدى آخرين، بين منطق يحكمنا ونرى العالم من خلاله وبين منطق آخر لا نستسيغه ونغض الطرف عنه، فنكتفى بوجوده دلالة على صحة منطقنا نحن دون سوانا.
ضئيل الحجم، هزيل الجسد، حافى القدمين، أشعث الشعر، ينظر دائما إلى لا شيء، كان الاهتمام الأساسى لتوبه، أن يقطع حى الفوّال بشوارعه وأزقته، فى حركة دائبة مستمرة، كمكنسة بشرية، يقوم بتنظيف المنطقة من القمامة التى يلقيها العقلاء وأصحاب المنطق، ثم يقوم بجمعها فى مناطق محددة، عمل جُبل عليه تطوعا أو مرغما، لا ندرى وقد تندّر من سلوكه الكل، ثم بمرور الوقت، ألفوا فعلته فتركوه مع وسواس التنظيف القهرى.
وكما جاء ذهب، لا نعرف لمجيئه سببا أو مكانا أتى منه، فقط عرفنا أن نوبة صرع أصابته وهو هائم فى ملكوت الله بجوار "بحر يوسف" فسقط من فوره فى الماء كلوح خشبى، ربما أحدث بسقوطه ضوضاء وجلبة، وهى على العموم ضوضاء لم تثير انتباه أحد من المارة، إذ سرعان ما أطبق الصمت من جديد، لا زالت الشوارع والمارة، فقط اختفى "توبه" من المشهد، ليطغى منطق العقلاء، وفى انتظار فرار أحدهم لعالم المجاذيب.