الحقيقة المطلقة هى الآلية أو الطريقة التى ابتكرها الإنسان المذهبى واحتفظ بها فى عقله الجمعى على مر التاريخ لكى يبرر لنفسه الخوف والهجوم على إحداثيات ومستجدات لم يتقبلها عقله، وهذا من الطبيعى فلا توجد مفردات ومعانى غير التى تلقاها من وعاظ وموعظين، يرى فيهم أفضل الورثة للشئ المأثور مع أن المورثين أنفسهم اختلفوا فى الكثير والكثير من المسائل الكبيرة والصغيرة لكى ينفعوا من خلال أبحاثهم هذه أنفسهم أولًا ثم الوارثين والأتين، منهم من يفكر بقوانين قديمة لا تستطيع الصمود أمام مستجدات الأمور فتراهم يزدادون تقوقعًا وانكماشا ( يريدون تطبيق قوانين اجتماعية عتيقة على العباد دون محاولة ودراسة ما هو قديم مع ما هو حديث حتى يدركوا ويفهموا أن المورث حينما ورث الوارث بعض الاجتهادات والاختلافات لم يشترط عليه أن هذه الاجتهادات والاختلافات هما من الثوابت التى لايجوز المساس بها ) ثم يتهموا الآخرين بالجهل، وهم جهلة،جهلاء،لأن غيرهم من الوارثين اجتهدوا وطوروا وأضافوا على هذا الميراث حتى أثريت عقولهم بذهنيات جديدة سببت الكساد والخسارة لمنتجات منافسيهم الضيقة والمحدودة.
عندما نؤمن أن الاختلاف رحمة فى شىء يخص ويرضى مذهبيتنا فهذا ليس اختلاف بل محاولة لإضفاء حقيقة كاذبة أن هناك اختلافا، لأن الاختلاف هو أن نتقبل وجود اختلاف قبل معرفة ماهية الإختلاف نفسه دون ترهيب واتهام الآخرين...الخ أتعجب عندما أجد أشخاص يكبرون عمرًا ولا يكبرون فكرًا أو أقوام يسافرون ويرتحلون بين البلدان والمجتمعات وهم يمتلكون نفس الذهنية القديمة التى تحمل كثيرًا من القبلية والعنصرية والأباطيل..الخ، والمدهش حقًا عندما تجد شخص يقرأ أمهات الكتب فى التخصصات ويقوم بكتابة خلاصة أفكاره، وهى بنفس ذهنيته القديمة، السبب من وجهة نظرى أن هؤلاء المسافرون والقارئون لا يتركوا ذهنيتهم جانبًا قليلًا لكى يستطيعوا أن يستقبلوا الأفكار والعلوم الجديدة دون شوائب فيضعون أمامهم كل الأبجديات التى تخدم ذهنيتهم، فى بعض الأشخاص الذين يسافرون ويتجولون فى البلدان يعيش أحدهم فى قوقعة مجتمعه الموروث فهو يصنع بقصد أو بدون، حالة نفسية وذهنية تمنع مرور أى أكسجين مختلف طعمة عن الذى اعتاد على تذوقه لكى يمنح عقله القليل من الاسترخاء والتفكير ومن ثم إنتاج ذهنيات جديدة، ومن أكثر العادات التى تؤدى إلى خمول تفكير وعقل الشخص الذى يسافر، عندما يعيش ويسكن مع أبناء بلدته وقريته دون الاختلاط بالجنسيات والثقافات والذهنيات الأخرى، فالجميع إلا من رحم ربى لديهم نفس الذهنية بحكم المجتمع والبيئة التى اعتادوا فيها على طريقة تفكير ومفردات معينة فيحسبون أنهم يمتلكون أعلى درجات الإدراك والتعمق والتمنطق وغيرههم بائسون تائهون فى متاهات الظن والظنون، والإشارة هنا تصل بشعاعها المستنير إلى صاحب الذهن الصائد الموقد، بأن الاحتكاك بالآخرين من كل الجنسيات، والمعتقدات، والأفكار، والعادات...الخ يؤدى بنا إلى اكتساب معارف وذهنيات جديدة ومن ثم اتساع المدارك وازدياد قوة البصيرة أكثر، كذلك الإنسان الذى يقرأ ويرى بأنه يمتلك الحقيقة المطلقة وأنه توصل من خلال كتابه الفلانى الذى أعده بعد ذلك إلى صواب كل رأيه عن طريق الإلتزام بقواعد موضوعية اثبت من خلالها بصدق رأيه ودعواه، ولكن هو لا يعرف أن المقدمات التى وضعها فى الأساس والتى مكنته للوصول إلى نتائجة العبقرية! هى مقدمات تشوبها الذاتية وضعها لكى تخدم نتائجه الذاتية أيضًا، ثم يأتى زاعق فى من يختلفوا معه بأنهم جهلاء لا يدركون أو يقدرون قيمة علمه المجرد.
تنوع المفردات والأفكار يؤدى بنا إلى تنوع الذهنيات كل هذا فى الحقيقة يخدم الحضارة البشرية جميعًا، فلولا وجود الاختلافات وطرق التفكير ما حدث وتوصلنا لهذا الكم الهائل من التقدم والتطور فى كافة المجالات، وخير دليل لذلك عندما نجد أن فى العلوم الطبيعية والأشد دقة من كل هذه الفلسفيات النظرية أنها تخضع لعدة نظريات وتفسيرات مختلفة مثل القانون الذى توصل إليه العالم البرت انيشتين بأن الكون محدب وبهذا الاكتشاف نسفت نظرية نيوتن التى كانت تقول إن شعاع الضوء يسير على خط مستقيم.لذلك ليس ما تؤمن به اليوم قد يكون حقيقة غدًا.