تحتمس الثالث الفرعون المصرى العظيم أو كما يقال عنه أول إمبراطور فى التاريخ أو نابليون الشرق، إنه الإمبراطور الفرعونى الذى حول مصر إلى إمبراطورية بفضل عبقريته العسكرية الأسطورية. إنه صاحب معركة مجدو الشهيرة التى قهر فيها أمير قادش بفضل التكتيكات العسكرية الجديدة التى اخترعها تحتمس. إن الكلام لا ينتهى فى عبقرة هذا المحارب الخارق ولكن ليس هذا مجال حديثنا هنا.
على الرغم من سعى تحتمس إلى بناء إمبراطورية مصرية واسعة إلا أنه لم يغفل يوما الشأن الداخلى ففى واحدة من أروع اللقطات التى يسجلها لنا التاريخ حينما كان يوجه النصيحة إلى الوزير رخ مى رع قائلا ً "لا يرضى الرب بالفساد، كن يقظا فمنصب الوزير عماد الأرض كلها فليس للوزير أن يستعبد الناس، استمع للشاكى من الجنوب والدلتا أو أى بقعة.. تصرف بالعدل فالمحاباة يمقتها الرب.. كن عادلا مع من تعرفه ومن لا تعرفه".
إن تلك المقولة تستحق أن تُنقش على قطعة رخام كبيرة وتعلق على واجهة مجلس الوزراء لتكون أمام أعينهم دائما، تلك الجملة شكلت دستورًا للوزراء يجب أن يتبع على مر العصور بناء على قواعد مرتبة بحكمة تدل على عبقرية القائل فالترتيب أعطى قوة للمقولة تضيف إلى قوته العسكرية بُعدًا إنسانيًا.
فلنتامل معًا النصيحة على أجزاء.
"لا يرضى الرب عن الفساد" هنا يعمد تحتمس إلى القول أنه يجب أن يكون رادعك الأول والأخير هو رضا الله الذى هو أهم من كل شىء آخر وإن فعلت ذاك فيكفى.
"كن يقظًا فمنصب الوزير عماد الأرض كلها فليس للوزير أن يستعبد الناس" هنا ينبه تحتمس الوزير إلى أنه يجب عليك الانتباه والعمل لخدمة الناس فتلك هى مهمتك وليس لك أن تستعبد الناس بل عليك العمل معهم كواحد منهم لخدمة المواطن والوطن.
"استمع للشاكى من الجنوب والدلتا أو أى بقعة" هنا يوجه تحتمس وزيره إلى خدمة الجميع فى أى مكان فى الإمبراطورية المصرية فليس معنى أن العاصمة "طيبة - الأقصر حاليًا" هو أن تهتم بها فقط وتهجر الدلتا وباقى مصر ولنا أن نتخيل الفارق العجيب الذى يحدث اليوم من الإهمال التام للصعيد بما أن العاصمة هى القاهرة وللمصادفة إن تحتمس ذكر الدلتا تحديدًا على اعتبار أنها بعيدة كالصعيد اليوم عن العاصمة.
"تصرف بالعدل فالمحاباة يمقتها الرب.. كن عادلا مع من تعرفه ومن لا تعرفه" وهذه القاعدة الأخلاقية الأخيرة التى ينطق بها تحتمس من حوالى 3440 عامًا مضى تظل محتفطة برونقها وبريقها الجذاب الذى ما زلنا نتمنى من كل وزير أن يعمل به.
إن سر الإمبراطورية المصرية قديمًا يكمن فى استماع الوزير للفرعون العظيم يا ليت تحتمس يخرج من مقبرته ويصرخ فى وجة الوزراء حاليا ً بتلك المقولة لنبنى مصر الحديثة.