المقصود بالصراع الأيديولوجي هو حالة الفرد عندما يقع تحت وطأة دوافع أو نزعات متعارضة، وهو صراع فكري فى الأساس بين ما يريد الإصلاح وبين تيارات متناحرة فكرياً فى ثوب النزعة الدينية غير الحقيقية ذات النهج الاستعلائي العنصري العدواني في غياب الوعى والتنوير فيما يطلق عليه الإسلام السياسي.
إن تقييم تجارب الإسلام السياسى فى الحكم تختلف من دولة لأخرى، إلا أن قاسمها المشترك هو الفشل، خاصة أن هذه التجارب حملت معها أسباب فشلها الأساسية، منها عدم الموضوعية، وانعدام ثقافة الديمقراطية عند هذا التيار، وفشله فى حل الأزمات والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية، وغروره المفرط بقوته المفترضة فى الشارع، وقلة تجاربه فى الإدارة وانعدامها في كثير من الأحيان ونفاق بعض فصائله، وانسياق هؤلاء وراء شعارات قواعده الشعبية وعدم وضوح رؤياه وسعيه إلى الغموض، والانفراد فى كثير من أطروحاته.
لقد أثبتت تجربة الإسلام السياسى فى الحكم أن برنامجه كان مجرد وعود وهمية وخطب تحريضية وسعي للهيمنة، فالإسلاميون الذين وصلوا إلى الحكم استهدفوا الاستيلاء على الدولة والمجتمع بشكل مطلق وتناسوا شعاراتهم حول احترام مؤسسات الدولة والتنوع الحتمي داخل المجتمع.
أما الجماعات الأخرى وتحديدًا "السلفية الجهادية" وغيرها فقد لجأوا إلى العنف كوسيلة للسيطرة على المجتمعات وفرض إرادتها عليهم، واستخدام أساليب القتل والقهر، ومصادرة الحريات الأمر الذى تسبب فى تشويه سمعة الإسلام فى الداخل والخارج على السواء، ذلك كله يرجع إلى أن هذه التيارات ظلت تعمل عقودًا من الزمن تحت الأرض، ولذلك لم تستطع التكيف مع ظروف العمل السياسي العلني الذي فاجأها بعد أحداث الربيع العربي.
لقد كانت هناك شكوك كبيرة كامنة ثم تأكدت فيما يتعلق بمصداقية هذه التيارات ومدى إيمانها بالديمقراطية واستعدادها لتسلم إدارة دول قامت فيها انتفاضات شعبية من أجل الانتقال إلى الديمقراطية من ضمان الحقوق الأساسية والحريات والتداول السلمى للسلطة والفصل بين السلطات والالتزام بسياسات اقتصادية عادلة وإحداث توافق وطني بين القوى التى ساهمت فى هذه الانتفاضات.
لذلك فإن تجربة الإسلام السياسي هى تجربة فاشلة تاهت فيها مفاهيم الدين الصحيح، وأثبتت أن التجربة الدينية إذا ما تسيست فإنها أنتجت الفشل والفساد والإخفاق، وبات هذا الأمر معروفًا لكل الناس لاسيما في مصر حيث التجربة مريرة ودفع فاتورتها كان باهظاً مما أصاب الحياة السياسية بحالة من العزوف والركود وإحداث فراغ بين الشعب ومؤسساته الوطنية وتلخيص شعاراتهم الزائفة فى عبارة واحدة هي " الإسلام هو الحل " دون العمل بها بتقديم وعرض رؤية واضحة لإخراج الامة العربية من مشكلاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تراكمت عبر تاريخ طويل.
كذلك عجزوا عن تطوير مشروع سياسي يتوجه إلى المواطنين بكل فئاتهم وليس فقط إلى أتباعهم ومناصريهم وبدلاً من التركيز على ملفات التنمية والتطوير ومحاربة الفساد وتكريس مفهوم حقوق الإنسان اهتموا بموضوع الهوية ومحاولة تغيير انماط المجتمعات فوجدوا أنفسهم يدورون في حلقة مفرغة أدت إلى تدهور الاقتصاد والأمن القومي.
ويمكن إرجاع الفشل السياسي للأحزاب الدينية إلى الآتي:
أولا: غياب الخبرة السياسية بمعناها العام والشامل وانعدام الخبرة في إدارة شؤون الدولة بكل مؤسساتها وأجهزتها المختلفة فقد دخلت الأحزاب الإسلامية معترك السياسة اعتمادًا على شعارات فضفاضة دغدغت بها عقول ومشاعر قواعدها الشعبية شبه الأمية.
ثانيا: حالة الغرور والاستعلاء التي سيطرت على تفكير أغلب قادتهم فهم يعتقدون أنهم وحدهم من يمتلكون الحقيقة المطلقة دون غيرهم من الناس وفي كثير من الأحيان كانت تصدر من قادتهم وبعض كوادرهم الكثير من نظرات الاستعلاء والاستصغار والاستخفاف ضد التيارات الأخرى في مجتمعاتهم.
ثالثا: نقضهم للعهود التي يقطعونها على أنفسهم كما حدث فى التجربة المصرية والاستحواذ والاستئثار على مقاعد البرلمان بعدما كان الحديث عن المشاركة العادلة لكل أطياف المجتمع وفئاته، كما صرحوا بعدم نيتهم ترشيح أحداً للرئاسة ولكن سرعان ما حدث عكس ذلك بمفاجئة الجميع بمن فيهم المقربين منهم والمناصرين لهم بقرار دفعهم بمرشح رئاسي يمثلهم في الانتخابات الرئاسية.
رابعا: محاولة إقصاء كبار موظفي الدولة البيروقراطيين الذين يسيرون أمور الدولة منذ سنوات طويلة من مناصبهم واستبدالهم بأشخاص ينتمون الى تياراتهم السياسية
لا يملكون الخبرة الكافية في هذا المجال الحساس والمتشعب.
أخيراً إدارة الدولة شأن دنيوي تركه الله للعقل البشري يمارسه ويطوره حسب حاجة الناس في كل زمان ومكان وكل ما حثت عليه الأديان في شأن حكم الناس وإدارة شؤون حياتهم هو العدل والمشورة حيث مفهوم العدل ثابت ولا يتغير بتغير الزمان أما مفهوم المشورة يتغير ويتطور بتغير الزمان فبدلاً من أن يكون محصوراً في أهل الحل والعقد كما كان في عهد الخلفاء الراشدين أصبح في الحضارة الحديثة من حق كل مواطن أن يكون له رأي فيمن يتولى زمام الحكم وذلك عن طريق الانتخابات الحرة والمباشرة.