حسن زايد يكتب: فخ إعادة الهـيـكلـة من الإخوان إلى أردوغان

لعل بعضنا ما زال يتذكر هذا المصطلح. مصطلح "إعادة الهيكلة" الذى تردد كثيراً فى أعقاب ثورة 25 يناير، إحدى ثورات الربيع العربى، التى جرت وقائعها فى مصر. وقد كانت أكثر الفئات ترديداً لهذا المصطلح، ومطالبة به هى الجماعات الإسلامية، وفى القلب منها جماعة الإخوان.

وقد كان المصطلح أقرب إلى الإنزال من عالمه النظرى إلى أرض الواقع عقب فوز هذه الجماعات. الجماعة بتفريعاتها ـ بالأغلبية فى البرلمان، وازداد اقتراباً بوصول أحد أعضائها إلى سدة الحكم. وقد كانت أكثر المؤسسات ترشحاً لإعماله فيها، وزارة الداخلية، ومؤسسة القضاء، والبقية تأتى.

ولعل بعضنا لم يكن يدرك أو يشغل باله بإدراك ماهية هذا المصطلح، وما يعنيه من الناحية التطبيقية. والمصطلح فى ذاته ـ مفهوماً وتطبيقاً ـ لا غبار عليه، وقد يكون مطلوباً كحل أمثل لعلاج المشكلات المكبلة للمؤسسة أو الجهة المعوقة، تمهيداً لإعادة الانطلاق. ولكن حين يتعلق الأمر بالدولة والمجتمع، وحين تكون الهيكلة بقصد نقل المجتمع من وجهة إلى وجهة أخرى، محكومة بنظرة أيديولجية ضيقة، لم تنل أى قدر من التوافق المجتمعى عليها. فهنا لابد من التوقف وتبين مواضع الأقدام، حتى لا ينتهى الأمر بالدولة إلى التفكك والذوبان والتلاشى، باعتبارها الوعاء والحاضنة للمجتمع.

وحين أطلق الإخوان مصطلح إعادة الهيكلة، قصدوا من ورائه تحقيق غاية أخرى، عملوا عليها على مدار سنوات وجودهم، وهى: تفكيك مؤسسات الدولة، باستبعاد العناصر غير الموالية منها إلى خارج هذه المؤسسات، ثم إعادة ملء الفراغ بعناصر موالية، مع تعضيد موقف العناصر التى جرى زرعها، وتضمينها هذه المؤسسات على مدار سنوات من أعضائها، والتى ظلت تعمل لحسابها، بما يخدم توجهاتها، وذلك حال وصولها للسلطة. والسيناريو الذى كان معداً للتطبيق على أرض الواقع فى مصر، وجرى إجهاضه قبل استعصائه، واستفحال أمره، واستحالته على الحل، بوقوع ثورة 30 يونيو، هو سيناريو الأخونة، الذى كانوا يطلقون عليه للتعمية والتضليل إعادة الهيكلة . وقد كان هدف هذا المشروع الإخوانى هو ابتلاع الدولة فى بطن الجماعة، التى تعد تنظيماً دولياً لا تمثل فيه الدولة سوى إحدى الولايات التى تدين له بالولاء والطاعة العمياء. وقد كان بعضنا فى مصر يتشكك فى هذا الكلام باعتباره ينطوى على قدر من المبالغة، الهدف منها تبرير الإطاحة بنظامهم. وقد كان يصعب عملياً إثبات صحة هذا التوجه لدى الجماعة، فى مواجهة المتشككين، باعتبار أن الاحتكاك العملى هو المحك على مدى المصداقية فى الاستنتاجات والاستنباطات النظرية من عدمه، وذلك الاختبار لم يكن قد تحقق بالفعل حتى حينه. ثم جاء النظام الإخوانى فى تركيا لتقديم البيان العملى على المعلم، لمن كان له قلب، أو ألقى السمع وهو شهيد. ففى أعقاب الإعلان عن فشل محاولة الإنقلاب ـ سواء كانت تمثيلية مدعاة، أو حقيقة واقعة ـ بدأ أردوغان فى إعادة هيكلة الدولة التركية . وليته فعل ذلك فى مواجهة صراع قائم مع عناصر الدولة العلمانية، التى أسسها مصطفى كمال أتاتورك، لقلنا أن الصراع له ما يبرره، ولوجدنا له من الأعذار ما قد يخفف من وطأة ما يقترفه فى حق دولته . ولكنه يفعل ما يفعل فى مواجهة ألد خصوم اليوم، وأحد حلفاء الأمس، وهو محمد فتح الله جولن، الذى دعم حزب أردوغان فى الانتخابات الأخيرة. فكلاهما يزعم أنه يعمل لصالح الدين الإسلامى، والهوية الإسلامية للدولة التركية، فى مواجهة طوفان العلمانية والتغريب.

إلا أن البرجماتية الأردوغانية الإخوانية قد دفعت بأردوغان إلى الدفع ببلاده فى نفق قد يفضى بها إلى أحد مخرجين من وجهة نظر المراقبين، وذلك على جثة جولن المتهم بمحاولة إنشاء دولة موازية داخل الدولة التركية .

أحد المخرجين هو نجاح الجماعة فى ابتلاع الدولة التركية فى بطنها، وتحويلها من دولة مدنية حديثة، إلى دولة دينية بالمفهوم الإخوانى الثيوقراطى. أو تفتيت الدولة التركية، وتحللها، وإعادة تركيبها فى شكل دويلات تركية عرقية.

ذلك باعتبار النتائج المتوقعة للإجراءات الجارية الآن على الساحة التركية، من فصل وعزل وتطهير وتفريغ وشحن، ضربت كل قطاعات الدولة ومؤسساتها، لمصلحة التوجه الأردوغانى الإخوانى .

والأمر هنا لا يعنى الدولة التركية وحدها، وإنما تمتد أثاره، وظلاله، إلى أبعد من الحدود التركية . وستلقى تداعياته بظلالها على الإقليم برمته .

والسيناريو الثالث الذى لم أتحدث عنه، لأنه لم تتضح ملامحه بعد فى الأفق القريب، هو وقوع انقلاب آخر أكثر نجاعة وجدية، مدعوماً شعبياً، يطيح بأردوغان والجماعة من سدة الحكم التركى وللأبد، مثلما حدث لها فى مصر.

أو أن تقع تركيا فى أتون حرب أهلية كاسحة بين فسيفساء المجتمع التركى من سنة وشيعة، وأكراد وعلويين . وإجمالاً فإن تركياً تدخل ـ بأفعال أردوغان ـ إلى المرحلة القادمة الأسوأ من تاريخها، منذ سقوط الإمبراطورية العثمانية .

ولم يتبق سوى لفت الانتباه إلى اختفاء منظمات حقوق الإنسان، ومكاتبها، وأكشاكها، ومنظريها، رغم أن ما حدث فى تركيا انتهاك صارخ لحقوق الإنسان، وإجراءات خارج إطار القانون، وانقلاب للسلطة على مجتمعها بأكمله .




الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;