للأسف، أغلب المشاكل والآلام التى تواجه الإنسان يكون مصدرها شخص تمت معاملته بمنتهى الخير والإحسان، ولكنه استغل هذه المعاملة ليسىء لصاحبها وينال منه، ولو ركزنا فى سبب هذه التصرفات سندرك أن هذا الشخص يعتبر الإحسان الممنوح له حقا مكتسبا ولا يرتضى بغيره، فإذا استشعر بداخله أن أسلوب معاملته اختلف أو أن الخير الذى كان يحصل عليه قد تناقص، يبدأ فى الدفاع عن نفسه وعن حقه اعتقادًا منه أن ما يحارب من أجله مملوكًا له، متناسيًا أنه مجرد إحسان عليه، وليس حقًا له، فللأسف نحن دائمًا ما نخلط بين الحقوق والهبات، ونعتقد أن الإطراء فى منح الهبات يصل فى النهاية إلى مصاف الحقوق المكتسبة لذا قالوا قديمًا "اتقِ شر من أحسنت إليه" .
وأصل هذا المثل يعود إلى أنه كان هناك مزارع غنى، وقد كان هناك رجل فقير يذهب إليه وقت موسم الحصاد السنوى من كل عام، وكان المزارع يعطيه بعض المحصول شفقة ورحمة، وقد اعتاد هذا الأمر كل عام، وفى إحدى السنوات خَسِرَ المزارع خسارةً فادحةً، فذهب إليه الفقير كما اعتاد ليأخذ قوته السنوى، فقال له المزارع: "صدقنى، المحصول خَسِرَ هذا العام، وليس عندى ما أعطيه لك"، فرد عليه الفقير "بل ستعطينى قوتى السنوى رغمًا عنك كما تعودت كل عام"، فقال المزارع "كيف أعطيك المحصول وأنا ليس لدى أى شىء"، فقال الفقير "أنا لا يهمنى موسمك إذا خَسِر، أنا أريد قوتى السنوى فقط"، وسحب بندقيته وقال للمزارع "إما أن تعطينى المحصول، وإما أن أقتلك"، فوعده المزارع بأن يعوضه فى العام القادم عن الموسمين، فقال الفقير "هل تظننى أنتظر للعام القادم"، وأطلق الرصاص على رأس المزارع وأنهى حياته.
وللأسف، هذا حال أغلب البشر فهم دائمًا يرفضون فكرة أن تقل أى ميزة يتحصلوا عليها من الآخرين ، ويظنـون أنها أصبحت حقوقًا خاصةً بهم ، ولا يتوانون عن فعل أى شىء فى سبيل الحصول عليها ؛ لأن تفكيرهم قد أخذ منحى آخر ، وهنا يتناسون أن من يسعون الآن إلى الإساءة إليهم ، هم أصحاب الفضل عليهم ، فحقًا : "اتقِ شر من أحسنت إليه" .