لقد زاد اهتمام بعض العلماء والمثقفين بشأن محتوى وشكل خطبة الجمعة وكأنها هى الأساس والحل الناجع فى إصلاح أحوالنا، والناطر لوضع خطبة الجمعة فى الشريعة يجدها ما هى إلا تذكير إسبوعى لبعض الأمور البسيطة فعن عمار رضى الله عنه قال :«أَمَرَنَا رسول الله صلى الله عليه وسلم بِإِقْصَارِ الْخُطَبِ». وعن جَابِرِ بن سَمُرَةَ رضى الله عنه قال:« كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لَا يُطِيلُ الْمَوْعِظَةَ يوم الْجُمُعَةِ إنما هُنَّ كَلِمَاتٌ يَسِيرَاتٌ».
والواقع أن عامة الفقهاء على استحباب ما جاءت به الأحاديث من إقصار الخطبة وعدم إطالتها وهذا يعنى أن دورها بعيد جدا عن المبالغات التى يقدمها الخطباء، حتى قال الإمام القرافى رحمه الله تعالى:«واتفق الجميع على استحسان قصر الخطبة» وقال ابن عبد البر رحمه الله تعالى:«وأما قصر الخطبة فسنة مسنونة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بذلك ويفعله» وقال أيضاً: «وأهل العلم يكرهون من المواعظ ما ينسى بعضه بعضاً لطوله، ويستحبون من ذلك ما وقف عليه السامع الموعوظ فاعتبره بعد حفظه له وذلك لا يكون إلا مع القلة»
وأعتقد أن أكثر المعارضين للخطبة المكتوبة غير مدركين تماماً ما يحدث فى الخطبة من عدم تركيز الأغلبية العظمى من الحضور فقليلاً جداً منهم يخرجون ولا يتذكرون شيئاً من الخطبة إما لطولها أو عدم جودة أفكارها أو لضعف أسلوب الخطيب فى عرضها، والمعترضون يخشون من تسطيح فكر الخطباء وكأن إبداعهم زاد عن الحد ولا نستطيع استيعابه، ولعلهم يجهلون أن حصيلة تجديد الخطاب الدينى صفر !
وأقترح حلاً لهذة الأزمة وهو من بندين، الأول: وهو السماح بحفظ نص الخطبة المكتوبة بدون ورقة مع الالتزام بالنص الكامل لها، وهذا أفضل ويُظهر إبداع الخطيب فى العَرض من توزيعه للنظرات والتحكم فى نبرة الصوت وإظهار حركات لغة الجسد وهذا البند لكبار العلماء، أو للظانين بقدراتهم الإبداعية العالية.
والبند الثانى: أن يكتب الخطبة كبار العلماء من المعترضين على الخطبة المكتوبة، وبالتالى يكون الجميع ملتزم بمحتوى الخطبة، وبذلك يكون زال حرج كبار العلماء لأنهم هم ما يكتبون ما يخطبون به ( بالتعاون والاشتراك بينهم ) نص الخطبة وما يخطبون به هو ما كتبوه لأنفسهم وللجميع، وهذا حلاً سحرياً وحل وسط ومُرضى لجميع الأطراف.
ولا مانع أن يكون بعد ذلك محتوى الخطبة عن طريق مسابقات للمبدعين من الخطباء، والالتزام بالخطبة المكتوبة لا يعارض تماماً المناداة بضرورة تأهيل الخطباء لأن الخطبة ليست كل شىء فى الدعوة بل هناك مجالات أخرى أهم كالدروس والقوافل الدعوية وغيرها.