مع رحيل الفن الصادق يموت قلب يخفق .. ويحتضر شجن يبدع .. وتذبل أوراق تنتظر الإخضرار مع أوّل قطرة ندى .. مع انسحاب السّحر مُرحباً بضىّ الشروق.. يتنسّم إبداع الربّ.. قبيل أن يَهبه لنفوس بشر.. يلقبون حامل عبئه بالفنان ..!
والفنان الحقيقى يتقطّر من مىّ عينيه صفا الروح.. تلاقى قبلة نورس جائع .. يتعلّم لغة الطير .. يحفّه موج شارد .. فرخ رقيق يتعلم فى لهوه .. ويعبث فى طيره .. حِسّ راقٍ .. ربما تعلن عنه دِمعة أبيّة .. متّشحة بكبرياء نفس.. تئن شجناً دائماً .. !
فلاهى انسابت بين جفنيه فأراحت الفنان المبدع .. وتظلّ تترجرج بين جفنيه .. روح معذبة .. تَرى فيها رغبة عاشق يتطلع لخلود عشقه من خلال تنوّعه .. وتنقيبه الدائم عن وسائل تعبيره .. ليرضى معشوقته ..!
فنان يتطلع فى أعماله.. يصمت كثيراَ.. ليتحدّث بأروع ابداعاته.. يفجر مشاعره.. وعلى أوتارها يترنّم خلقاً فنياً لكلّ الأزمان.. وتتكسّر نشوته الفنيّة.. تتناثر إبداعاً عالمياً.. رغم إنها تنضح من بئر محفور فى وطنه.. وبكدّ وعرق منتهى الوطنيّة..!
ولما لا ويقول فنان نوبل الخالد نجيب محفوظ (أن العالمية هى الإغراق فى المحلية..!)
أحيانا تعيش معه رومانسية معذبة.. ملتحفة بخشونة وصوف اللاسّة والعمّة.. وعصا تحمى المال والسلطة..!
وتجرح ونزف وجعاً ويأساَ.. وتموت تضحية وبطولة.. وغيرها..!
إنه عالم الزيف أو الحقيقة.. لا أدرى..؟
عالم افتراضى يجسّد الخيال .. وينثر الحلم.. وينقل الوقع .. يزيفه تارة ويجمله فى أخرى .. وينقله كما هو مرات ومرات .. بدعوى المصداقية والواقعية .. !
ويهديك أثواب القيم والمثل والمبادئ .. وهى تنحسر أمام سوط المجتمع الاستهلاكى المادى .. وتحوّلات الرؤى .. التى لاتملك صفات الفارس .. إلا فى المشاعر .. وتفتقد أسوار تحصّنها من غول المادة والجاه والسلطة وشهوة الانتقام.. وتطلّعات الطبقات الدّنيا نحو المّادة .. وتنسحب فى خجل وحياء لغة القلب..!
أمام الكاميرا يواصل حياة فنّه فى أتم صحة وعافية.. !
كثيراً ما يتجاهل الإعياء.. يظن أنه لا يمكن يمرض.. فالخلود وهمه وحقيقته.. ولذّة الخلق الفنى تدفعه ليعتقد أنه أبداً..
أبداً لايمكن أن يرحل..!
أبداً لايمكن أن يزوره الموت..؟
ويشده الابداع يوماً بعد يوم.. بقرة مغمضة العينين تدور فى ساقية نشوة الخلق الفنى..!
تحسّه وتحياه حقيقة .. رغم أنه لاترى شيئاً.. أنه دوّار االإبداع..!
وإن شاء القدر معاقبة فنان خاصمه إبداعا ..؟
احرم ممثل حقيقى من سيناريو أيضا حقيقى.. حتّة حتّة يموت( جوّا نفسه) ..!
لكنها لعبة الأقدار .. !
ويصمت الفنان الحقيقى طويلا .. يغمره طول الزمن تعتيقا.. ويسحرك جمال مذاقه بفعل تخمّر الأيام.. وروعة قِدم أريجه ..!
وفى غمامة صدقه .. فانتازيا يصرها العقل خيال ووهم مؤلف.. حلم مبدع.. حتى يجسّدها فنان حقيقى مكدّس حتى النخاع بروح الخلق الفنى.. موصول بحسّ إبداعى.. اختصّه به الله وحده.. دون سواه من الفنانين..!
وإذا بالخيال يفجؤنا حقيقة واقع.. وسراب الحدوتة مىّ حكى.. وعذب وصف.. وقناعة منطق.. يحملها على أكتافه فنان ما أن يختفى عن الصورة حتى تشتاق لأدائه.. وبما يأتى به شبعاً من رؤاه..!
فيقنعك باللامعقول.. بمبررات أداء عبقرى.. وموهبة نادرة.. ويتحوّل إلى لحم ودم.. تغلف وتنساب من صدق مشاعر وأحاسيس.. دون نقص أو عجز.. أو عيب شائبة فى مشهد أو لغة حوار أو.. أو..الخ
يوهب الله منهم طغيان حضور الفنى.. له القدرة علة أداء يسحرك.. يجعل المشاهد يلغى النصّ الأدبى من تساؤلات جماليات ذاك الحلم المرئى.. ويغطى على كل مافيه من عدم اكتمال.. ولما لا..؟
وهو عطاء آلهى لمن وهبه الله الموهبّة.. وسعى فى مضمار الفن يتمرس ليل نهار على ثقافات العالم .. ولايكتفى فقط بحارة الابداع.. ليغدو جوكر فى جميع مناحى الإبداع..!
وغيره.. وغيره..
وتنضح الأرض بعبقرية الممثل.. الممثل المبدع.. الممثل المبع الفنان.. الممثل المبدع الفنان العبقرى..! عبقرية الفنان.. (تشيل) عملاً فنيّا.. ليضعه فى مسيرة أجيال يمنحها القيمة والثراء والمتعة.. ويشعرها أن من بين جنبيها شىء عظيم يسمّى الإحساس..!
فيثمر لنا حياة فنية لاترحل أبدا.. تحمله على أجنحتها سحابات.. تعلو به.. وتتسامى بندى الربّ رقيّاً وارتقاءً..!
يجد دائما شجناً عاشقاً لرؤياه..!
وعندما يختفى هذا العبقرى.. تترنّح الموهبة .. ويتبعثر الفكر.. ونتوه بحثاً عن حيواتنا الضائعة .. وأحلامنا المنسية .. وغذاء أرواحنا المُشّعة .. تظلل أجيال شابة من الفنانين دون عمد أو قصد .. !
ضىّ من نور ينتشى به العقل ..فى عوالم تضجّ.. تحزن وتفرح.. تحب وتكره .. تثور وتغضب .. تتنطّط جوّانا وتزيّت حياتنا حركة وحياة .. !
وعندما نقيم سرادق عزاء .. ونتوجّس خيفة.. ونرتجف من صباح غد .. نهرب فيه يومنا من غثّ حاضر .. يفتقر إلى أقل من (الضئيل) من ما يسمّى بإبداع فنى ..!
إن رحيل إبداع حقيقى يعنى موت قلب .. !
وافتقاده يعنى خواء روح ..!
ومعه يرحل الكثير الكثير من رقىّ الإحساس.. وتسامى الإبداع الفنى..