لا تندهشوا کثیرًا، ولا تفرحوا کثيرًا؛ فالحقيقةُ إذا توارت غاب معها منطقُ الدهشة والفرح. والحقيقةُ أننا نوهِم أنفسَنا، أو بالأحری نکذب علی أنفسِنا عندما نُمجد هذا التفوق -الزَّائف- الذى نستنتجه من خلال مجموعة من الأرقام العبثِية التى تُطبع علی ظهر حُزْمَةٍ من الورق تحمل بين طياتها أسئلةً وإجاباتٍ تعکس تعليما فاشلا أکثر عبثا. والحقيقة أن حاملى تلک الأرقام یطلون علينا بأعناق مُشرئبة دون أن يتفحصوا عباءة تعليمهم المهترئة، ودون أن یتقزَّزوا من رائحتها العَطِنة، ودون أن ينتفض ضميرٌ حرٌ يَقِظ ليسأل: ما الذى اکتسبه هؤلاء التعساءُ من معارف ومهارات وقدرات؟!
لقد أصبح معيارُ التفوق لدينا ینم عن تخلف مَقِيت، ففى الوقت الذى يُحلق فيه العالمُ إلی سَماء المجد، مُتخذا من البحث والاطلاع والابتکار أجْنحَته نجد أنفسَنا محصورةً داخل زِنزانة ظَلماء اسمها "الإجابات النموذجية" والتى لا تُنجب إلا عقليةً بليدةً آنست الحفظ، وأدمنت البَبَّغائية، ومُلاحَقٌ من يُغرد خارجَ أسوارها الحديدية بالويل والثبور وعظائم الأمور! حاملو تلک الأرقام غدًا أطباء، مهندسون، أساتذة جامعة.. فما بالکم بطبيبٍ حافظٍ، ومهندسٍ حافظٍ، أوصلهما إلی هذين الاختصاصَيْنِ عکوفُهما الدَّؤوبُ علی استرجاع وترديد معلومات مدونةٍ فى مذکراتِهما الثانوية أو کتبهما الجامعية؟! وما بالکم بأستاذ جامعة لم يقرأ قط سوی کتب عقيمة لأساتذة جَهلة، وما کان ليحوز -أرقامَهم- إلا بسمع وطاعة عمياء؟! فهلا أيقظوا ضمائرَکم وسلوها: هل بذلک تنهض الأممُ؟! فابْکوا.. ابکوا يرحمکم الله.