إنها الهواء الذى أتنفسه، أعطتنى من حياتها حتى أننى لم أقدر على العد، فى قربها يصبح وجهى مشرقاً، وفى رؤيتها كأن دنيتى تزينت بالورود، صوتها إذا ارتفعت نبرته يظل يحمل حناناً، ودموعها إذا سقطت كأن سكيناً بارداً غرس فى قلبى، اشتاق إليها وأنا بجوارها، فما بالكم بحالتى إذا تركتها، اتلهف لسماع كلماتها حتى لو كانت مكررة.
اذا مَرضت تنسى شيخوختها وتصبح فريق طبى كامل على أعلى مستوى، ولكن أن مرضت هى تتكتم أوجاعها ولا يشعر بها أحد، يكفينى نظرتها الصارمة لأتدارك نفسى قبل الوقوع فى الخطأ حتى لا تغضب، ويكفيها أن ترانى أبكى فتنهار كالبرج اذا ضربه البرق.
سهلة الإرضاء، تعلم جيداً أمور "الدحلبة" كما يقولون، التى أمارسها ولكنها ترسم على وجهها ابتسامة لا أنساها، ابتسامة متجددة تختلف تفاصيلها بمرور الأيام مابين خوف وقلق وحب وحنين، مشاعر جميعها لا تجتمع فى أحد إلا هى، هى أمى العزيزة التى أحدثكم عنها.
أمى تنتظر كتاباتى من وقت لأخر كانتظار مولد طفل جديد، رغم أنها تمتلك نظارة للقراءة تتعبها، إلا أنها تتحامل حتى تكمل لآخر سطر.
أتذكر قراءتها لمقالاتى السابقة الحزينة وتعبيرها بقلقها على بالعصبية، لا تستطيع أن تبين لك كم تحبك، لكنى أفهمها بدون أن تتكلم، فأنا نسخة مصغرة لها شكلاً ومضموناً، تحافظ على تماسكها أمامى لكنى لن أنسى يوماً خانتها فيه دموعها وسألت فى خجل محطمة قلبى أرباً.
لست من الأبناء الذين يقبلون الأيدى، ولا أدعى أنى ابنة مثالية، ولكنى أعشقها، ليس بعدد النجمات فى ليالى سهرها بجوارى، وليس بقطرات الماء التى أسكنت بها عطشى، ولكن يكفينى أنى أحبها بجنون.
أمى الجميلة، بضع كلمات لن تكفى للتعبير عن ما أكنه لكى، وطالما كتبت ستظل بداخلى مشاعر لم تدون بعد، ففى كل يوم تعلمينى البهجة والحب والأخلاص، وسأظل أتحدث عنكى حتى تجف أحبارى.