"الجلاسنوست والبريسترويكا أو بالعربية.. المصارحة وإعادة البناء"، مصطلحان ظهرا فى ثمانينات القرن الفائت، على يد الرئيس السوفيتى "ميخائيل جورباتشوف"، وسواء أكانت الغاية وراءهما إدارة حملة لتغيير واقع الامبراطورية السوفيتية المتهالكة. أو استعادة حيويتها فى مواجهة المارد الأمريكى ومن ورائه حلف شمال الأطلنطى "الناتو".
وبغض النظر عما قيل وتردد من أن للمخابرات المركزية دورا كبيرا فيما بعد.. إلا أن العام 1989، شهد فعليا زوال نظام القطبين فى العالم. إذ شكلّت حادثة سقوط جدار برلين فى ذلك العام، الخط الفاصل بين نظام ثنائى القطبين يحكمان العالم ويعملان على توزان القوى ويحدّ كل من تغوّل الآخر.
عجّل سقوط حائط برلين بسقوط الاتحاد السوفيتى نفسه وتفكك امبراطوريته لدويلات وجمهوريات عدة، وإغراقه فى حرب شرسة ممتدة المفعول والتأثير فى أفغانستان والشيشان، عالم من الفوضى الخلاّقة أحكمت فيه الولايات المتحدة قبضتها وقوتها على العالم وعملت على تشكيل خريطته وفقا لرؤاها ومصالحها فقط.
خمسة وعشرون عاما من الفوضى والقطب الواحد يحكمان العالم، اختفت بلدان بكاملها من على الخريطة السياسية العالمية بفعل التفكك وتفتت أخرى بفعل نيران داخلية استعرت أواصرها بفعل أيد خارجية لا تخفى على الأريب، ولأن دوام الحال من المحال، كان لابد أن يتوازن العالم من جديد وأن يسير نحو قطبية ثنائية جديدة.
اليوم العالم على أعتاب تجمع قوى جديد مشكّلا فيما بينهم قطب مناوئ وقوى ضد أمريكا. الشواهد تشير إلى هذا، والأدلة تؤكد أن مصر لا تزال هى بوابة الشرق الأوسط والمدخل الطبيعى للمياه الدافئة لإعادة صياغة خريطة العالم من جديد وفق رؤية قطبية ثنائية مناوئة ومقلّصة للنفوذ الأمريكى.
لعل الخطيئة القاتلة التى وقعت فيها أمريكا، أنها دعمت بعض الجماعات لإقصاء نظام مبارك من المشهد السياسى المصرى. فلم يكن ذلك النظام يمتلك قدرة على تغيير المنظور السياسى بل كان منهجه بقاء الوضع على ما هو عليه، وفق نظرية تأثير الفراشة والفوضى الخلاقة.. فدعم فصيل دينى سياسى فى مرحلة ما، لعب دورا كبيرا فى الإسراع بإنهاء حالة القطبية الأحادية التى سيطرت على العالم طوال ربع قرن كاملة.