أعجبُ العجب: سرورٌ بغرور، وسهوٌ فى لهوٍ. حزين حقاً من اشتغلَ بدعوته للخراب عن حفظِه لِذاتِه، فلا يتلقاه صدر فيه حنان، ولا عين فيها قبول، ولا لسان فيه تحية، ورُبَّ شدٍّ أوجبَ استِرخاءً، ورُبَّ عجَلَةٍ أعقَبَت غيثًاً، ومن قطعَ فضولُ الكلام بسكِّين الصمت وجدَ راحةَ النفس والكرامة، ومن أعظم ما ينبغى التذاكُر فيه والتواصِى به فى مثلِ هذا المقام شُكرُ النِّعم، والتبصُّر بالأحوال؛ فالنِّعمُ لا تدومُ إلا بالشُّكر، ومن أفضل النِعم الأمن، ولا يعرفُ فضائل الأمن إلا من اكتوَى بنارِ الخوف والرُّعب، والفوضَى والتشريد والغُربة، اسأَلوا البلاد من حولِكم، اسألوا الغريبَ عن وطنه، واسألوا المُشرَّد عن أهلِه، واسألوا اللاجِئ عند الآخرين. وشاهِدوا بعين الشُّكر والبصيرة ما تنقلُه إليكم وسائلُ الإعلام نقلاً حيًّا مُباشِرًا. فانظروا أحوال جيرانِكم الذين فقَدوا الأمن والاستقرار، كم يتمنَّون العودة إلى سابِق أحوالهم، وقد علِمتم أن منعَ الفتن أسهلُ من دفعِها.
هنيئاً للعقلاء فقد علِموا أنه لا مكان لمُخرِّبٍ بين شعبٍ يقِظ يُدرِك معنى البناء، ويقِف حارِسًا أمينًا، ساهرًا مُخلِصًا.
أيها الداعون للخراب: هل أنتم مؤمنون صادقون؟ فالمؤمن الصادق هو الذى يغارُ على أهلِه وبلده، يعملُ أكثرَ مما يتكلَّم، يدٌ تحمِى ويدٌ تبنى، يحذَرُ ويُحذِّر من كل مظاهر الفوضَى والاضطراب، حصيفٌ عاقل يُدرِك مكائِد الأعداء.
أيها الداعون للخراب: ألم تعلموا جيداً ما قاله علماؤكم أن من محاسن الشريعة: أنها جعلت الاستطاعة مناط التكليف، وفرقت بين حال القدرة وحال العجز، وبين حال الاختيار وحال الاضطرار، وبين منزلة الواجب ومنزلة المستحب.
أيها الداعون للخراب: ألم تعلموا جيداً ما قاله علماؤكم أن الواجب تحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، فإذا تعارضت كان تحصيل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما، ودفع أعظم المفسدتين مع احتمال أدناهما هو المشروع.
وإذا كانت السيئة تحتمل فى موضعين: دفع ما هو أسوأ منها إذا لم تدفع إلا بها، وتحصيل ما هو أنفع من تركها إذا لم تحصل إلا بها، فليس العاقل الذى يعلم الخير من الشر، وإنما العاقل الذى يعلم خير الخيرين وشر الشرين.
وقد أوضح النبى صلى الله عليه وسلم أن تغيير المنكر باليد (إذا كان هناك منكر أصلاً) قد يُعجز عنه الإنسان، وكذلك تغييره باللسان، وهذا إنما يكون باعتبار القدرة والاستطاعة، والموازنة بين المصلحة والمفسدة.
أيها الداعون للخراب: ألم تعلموا جيداً ما قاله ابن تيمية فى منهاج السنة النبوية: كان أفاضل المسلمين من الصحابة والسلف ينهون عن الخروج والقتال فى الفتنة، ولهذا استقر أمر أهل السنة على ترك القتال فى الفتنة، للأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبى صلى الله عليه وسلم، وصاروا يذكرون هذا فى عقائدهم، ويأمرون بالصبر على جور الأئمة وترك قتالهم، وإن كان قد قاتل فى الفتنة خلق كثير من أهل العلم والدين. اهـ.
أيها الداعون للخراب: ألم تعلموا جيداً ما قاله علماءكم أن أهل السنة والجماعة ذهبوا إلى أنه لا يجوز الخروج على أئمة الظلم والجور (من وجهة نظركم) بالسيف ما لم يصل بهم ظلمهم وجورهم إلى الكفر البواح، أو ترك الصلاة والدعوة إليها، أو قيادة الأمة بغير كتاب الله تعالى، كما نصت عليها الأحاديث الثابتة فى أسباب العزل، وقد ادّعى الإجماع على ذلك بعض العلماء كالنووى فى شرحه لصحيح مسلم، وكابن مجاهد البصرى الطائى فيما حكاه عنه ابن حزم.
أيها الداعون للخراب: ألم تعلموا جيداً أن الخروج على الحكام بالخراب والدمار محرم أشد التحريم، والمباح فقط بل الواجب على كل مسلم تقويم المسئولين ونصيحتهم والتواصل معهم على حسب الاستطاعة، من غير خنوع ولا مهانة.
أيها الداعون للخراب: لقد احتار الناس فى الضوابط الشرعية الصحيحة للتقويم والإصلاح والفرق بين الثورات والمؤامرات بسبب منهجكم المعوج، فأرجوكم توقفوا.