لم نكن نتوقع أبداً أن يحدث انقلاب فى دولة قريبة جداً من الاتحاد الأوروبى، وتسعى للانضمام له.. فالانقلاب دائماً يحدث فى الدول النامية المتناحرة وخاصة فى قارة أفريقيا.. وعادة يكون الانقلاب سببه السعى وراء الكراسى وليس لائقا دولة مثل تركيا مرت بثلاث انقلابات سابقة عام 1960 – 1971 – 1997.. وكان من قرارات انقلاب 1997 حظر صارم للحجاب فى الجامعات - ثمانى سنوات للتعليم الابتدائى - إغلاق مدارس تحفيظ القرآن – إلغاء مدارس الطرق الصوفية - السيطرة على الجماعات الإعلامية التى تعترض على قرارات المجلس الأعلى العسكرى بفصل الضباط ذوى المطالبات الدينية.. أى كان الهدف الأساسى هو جعل تركيا بلد علمانى لا يتدخل الدين فى السياسات والحكومة... وقد تم تشكيل حزب العدالة والتنمية كرد فعل على الانقلاب، وحقق فوزا ساحقا فى انتخابات عام 2002 بعد 5 أعوام من الانقلاب.
ونستخلص من هذا ان لتركيا تاريخ فى الانقلابات ولها خبرة واضحة فى تنظيم الانقلابات.. ومعنى فشل انقلاب يوليو 2016 هذا يحتاج إلى تفسير.. فهل حقاً كان تنظيمه فاشل وإن نسبة متواضعة من الجيش هى من قامت بالانقلاب ؟ وهل حقاً الشعب هو من ساعد بفشل الانقلاب ؟ وهل قامت دول خارجية بمساعدة أردوغان لوقف الانقلاب ؟ اسئلة كثيرة ان عرفنا اجابتها سوف نحل هذا اللغز العجيب للانقلاب.
موضوع أن أردوغان هو من دبر الانقلاب لا يوجد مؤشرات تؤكده، ولكن يمكننا القول إن أردوغان قد علم بأن هناك انقلابا سيحدث وعليه ان يعد العدة ويستعد لكل السيناريوهات وقد تم رصد وتتبع أجزاء وجوانب من هذا المخطط (قبل التنفيذ) من جانب أجهزة أمنية وعسكرية واستخباراتية ويمكننا القول أيضاً إن أردوغان ترك الباب موارب حتى يحدث الانقلاب، ولكنه كان يعد الخطط والقوائم لما بعد الانقلاب وهى عملية (التصفية) أى القضاء على كل المعارضين، هم يطلقون عليه عملية (تطهير) ولكنها عملية تصفية.. وهذا ما حدث بالفعل تم القبض على عدد كبير من قوات الجيش وقياداته وأيضا على عدد من القضاة ثم منذ أيام على عدد من المعلمين وعمداء الجامعات حتى الشرطة لم تسلم من عملية التصفية والإبادة.
لا يمكننا أن ننكر أن أردوغان أصبح ديكتاتورياً وشعارات الديمقراطية اصبحت فى الهواء.. فأين الديمقراطية فى القبض على خصومه ومحاكمتهم وأين الديمقراطية والشرعية فى اهانة جيش بلاده حتى ولو كانوا مشاركين فى الانقلاب فلابد من معاملتهم معاملة رجل عسكرى حتى يثبت مشاركتهم فى الانقلاب وهذا من خلال القضاء، وكيف يمكن حصر تلك الاعداد والقبض عليهم فى يوم وليلة اى خلال 48 ساعة.. ولكنه ترك انصارة يعربدون ويهينون الجيش وأصبحوا هم القضاة الذين فى يدهم الحكم الفورى... وبالتالى، فرغبة قطاعات واسعة من المجتمع التركى بمؤسساته فى التخلص من نظام أردوغان، ومن شخصه أيضا، لا يمكن نفيها... فهناك انقسام حقيقى ليس فقط فى مؤسسات الدولة، بما فيها المؤسسات السيادية (جيش وشرطة وخارجية ومخابرات)، بل وأيضا فى صفوف الشعب الذى ينقسم عمليا بعمق.
كان هذا الانقلاب هو ذريعة للقضاء على الخصوم حتى إن بعضهم أطلق على ما بعد الانقلاب (بمذبحة القلعة الثانية)... وهناك تنبؤات كثيرة بأن هذا الشرخ الذى حدث فى تركيا ستكون وراءه توابع أليمة لتركيا ولن يبقى الحال على ما هو عليه.. فهل سينتفض الشعب ضد أردوغان؟ أم ستكون هناك ضغوط دولية قوية سوف يخضع لها أردوغان ؟.. هذا هو ما سوف تحمله لنا الأيام القادمة.