أحيانًا يأتى الضرر من أقرب المقربين لنا دون قصد منه، فهو لم يكن يتعمد إيذاء أعز الناس لديه، ولكنه بفعل رعونته وعدم إدراكه لنتائج تصرفاته يتسبب فى الضرر لأقرب المقربين له، فليس كل فعل يأتى من قريب أو حبيب أو عزيز يكون فيه نفع لنا، فربما يؤذينا ويتسبب فى هلاكنا، فدائمًا ما نؤمن أن أحباءنا هم الذين سينفعوننا، ولن نجنى من ورائهم إلا الخير، ولكننا نتناسى أنهم بشر، ولا يمكنهم إدراك نتائج كل أفعالهم، فهم يتصرفون من منطلق خبراتهم ومعتقداتهم، وأحيانًا يأتى الإنسان بتصرفات ضارة ؛ ظنًا منه أن فيها الخير والصلاح له وللآخرين، ولكنه لا يجنى من ورائها إلا الشر والأذى ؛ لأن الإنسان مهما بلغت قدراته وخبراته، فهى فى النهاية محدودة جدًا، ولا يمكن أن يأمن شر نفسه، والنفس أمارة بالسوء.
وجميعًا نعرف المثل القائل: "جنت على أهلها براقش"، والذى يحكى قصة قوم كان لديهم كلبة تُدعى "براقش"، وذات ليلة جاء أعداء لهم يبحثون عنهم فى الظلام، فلم يهتدوا إليهم، فيئسوا، وهَمُّوا بالرحيل، فلما أحست بهم الكلبة نبحت عليهم، فعرفوا من نباحها مكان القوم، فهاجموهم وقضوا عليهم وعلى كلبتهم، فقيل: "جنت على أهلها براقش".
ولو أمعنا النظر فى هذه القصة، سندرك أن هذه الكلبة لم تكن تبغى إيذاء نفسها أو قومها، ولكنها ربما تكون نبحت بهدف تحذير قومها من وجود الخطر بقصد حمايتهم، ولكنها تسببت فى هلاكهم وهلاكها، وهكذا، يمكن لأى شخص أن يأتى بتصرفات يستهدف منها حماية أقرب الناس إليه أو نفعهم أو تحقيق مصالحهم، ولكنه يتسبب فى إيذائهم وهلاكهم ؛ لأنه لم يدرس الموقف على حقيقته، ولم يدرك أبعاده، فهذا الشخص يضع الآخرين فى حيرة من أمره، فهل هو يستحق العتاب وربما العقاب على ما أصابهم بفعل رعونته وأفعاله، أم أنه يستحق الشفقة، وربما الامتنان لمجرد تفكيره فى مساعدتهم، حتى لو أخفق وأضر دون قصد، أعتقد أن هذه المسألة محل جدل وخلاف كبير، وكل شخص ينتهج فيها نهجًا بخلاف غيره.