لا شك أن المسلمين هم أكثر ضحايا الإرهاب والإسلاموفوبيا ؛ ولا فرق بين ظاهرة الإرهاب والتطرف وظاهرة الإسلاموفوبيا ؛ فهما وجهان لعملة واحدة يغذى بعضها وبعضا، داعش ذهبت بالدين إلى التشدد ثم التطرف الذى تحول لعنف نتج عنه إزهاق الأرواح البريئة من المسلمين وغيرهم، لكن الثابت أن عدد المسلمين هو الأكبر، على الجانب الآخر قام دعاة الكراهية والعنصرية ضد الإسلام باستغلال هذه الأفعال لتبرير عنفهم ضد المسلمين وكراهيتهم للإسلام، والتى وصلت إلى القتل أو الزج بهم تحت عجلات القطارات.
لا أحد ينكر أن الظاهرتين قديمتان لكنهما الآن ولأسباب متعددة انتشرتا فى العالم بصورة مريبة، والكل يعلم جيدًا من وراء هاتين الظاهرتين ومن يمولهما، والذى أراه أن المحرك للظاهرتين واحد وليس أكثر من جهة؛ لأن المستفيد أيضًا واحد، واحد يريد أن يفرض نفوذه على العالم وعلى مصادر ثرواته وقراره.
أما الآفة المشتركة بين هذين الصنفين من البشر فهى التبرير، فكلاهما يبحث عن مبرر لقتل الآخرين وإقصائهم، مرة باسم الدين ومرة باسم الحفاظ على مرجعية الدولة، وما يحدث فى العالم من انتشار العنف والكراهية لهو خير دليل على ذلك، والأدهى الانتشار الجنونى لهاتين الظاهرتين اللتين لا تعدمان أى تأييد، بل على العكس جماعات التطرف والتشدد فى ازدياد مضطرد، كما أن ظاهرة الإسلاموفوبيا انتقلت إلى الأحزاب اليمينية المتطرفة فى الغرب، والنجاحات المتتالية لتلك الأحزاب المتطرفة خير دليل على تفشى هذه الظاهرة التى وصلت إلى رغبة الغرب فى التخلص من كل ما هو إسلامى.
ودعاة هاتين الظاهرتين يستخدمون خطاب العاطفة للسيطرة على الجماهير من خلال خطبائهم، ويركزون على إثارة مشاعر الكراهية تجاه الآخر، ومفاجأة الجماهير بمجموعة كبيرة من الأدلة لتبرير عنفهم، حيث تقف جموع الجماهير عاجزة عن فهم هذا السيل من الأدلة والحجج والبراهين، وبالتالى تخلق حالة من الفوضى الفكرية والتى تتبعها فوضى فى الفعل ورد الفعل، فيكون من نتيجتها ما نراه من أحداث إرهابية من قبل الطرفين، ويؤكد هذا ما قاله عالم الاجتماع الفرنسى الشهير جوستاف لوبون: "إن محرّكى الجماهير من الخطباء، لا يتوجهون إلى عقلها، بل إلى عاطفتها، فقوانين المنطق العقلانى ليس لها أى تأثير فيها".
لا فرق عندى بين تصريحات البغدادى زعيم داعش المحرضة على القتل والعنف وبين تصريحات ترامب- المرشح الجمهورية للرئاسة الأمريكية- التى تدعو إلى العنصرية ونشر الكراهية ضد المسلمين، الخطابان ربما اختلفت لغتهما ومبرراتهما لكن نتيجتهما واحدة، وأرى أيضًا أن أكثر ضحايا الخطابين واحد وهو من المسلمين.
كلا الجماعتين يستخدم خطاب التبرير للعنف سواء كان من قبل المتطرفين الذين يفسرون الآيات القرآنية والأحاديث النبوية على غير معناها لتبرير قتلهم الآخرين، أو من قبل الغربيين الذين يتبنون خطاب الإسلاموفوبيا الذين يبررون من خلاله عنفهم بحفاظهم على هوية الدولة من الأسلمة والغزو الإسلامى، ومن ثم سن مزيد من القوانين الأشد عنصرية تجاه المسلمين، والتى تكون هى الأخرى مبررا لتبنى شباب المسلمين فى الغرب للعنف لكى يعبرون عن اضطهادهم من قبل الدولة التى تسن القوانين والتى تقضى على أى ملمح دينى ضدهم فى الغرب.
من وجهة نظرى تنامى الإسلاموفوبيا فى الغرب وصعود الأحزاب اليمينة المتطرفة فى الانتخابات مؤشر خطر على أن الظاهرة لم تعد سلوكًا فرديًّا، مما يشكل تهديدًا على المسلمين هناك، لأن ذلك سيترتب عليه سن قوانين أكثر عنصرية وعداءً ضد المسلمين، وحظر أى مظهر إسلامى فى الغرب وبالتالى سيظهر متطرفون جدد يعبرون عن اضطهادهم فى تلك الدول.
لقد أصبحنا ندور فى حلقة مفرغة الضحية فيه المسلمون الأبرياء، لذا فعلاج هاتين الظاهرتين يكمن فى خطاب مشترك لأصحاب الأديان، مفاده أننا جميعًا تقلنا سفينة واحدة، لا بد من قانون واحد يحكمها، ليعيش الجميع فى سلام، وإلا غرقت بالجميع، قانون مبنى على البحث عن المشترك بين الجميع والاتفاق على نبذ العنف سواء من المسلمين أو ضد المسلمين.