لقد دخلت الفتاوى المتشددة وغير المنضبطة البيوت دون استئذان، وتجاوزت حدود الأقاليم والبلدان غير طريق التقدم المذهل فى وسائل التواصل الحديث، ومما لا شك فيه أن الآراء الشرعية المتعددة للمسألة الواحدة ناتج من طبيعة المرجعيات المختلفة لكل مفتى، فغالبا الآراء المتحررة جداً كالرأى القائل بأن التدخين لا يبطل الصيام ناتج من طبيعة الاتجاه الفكرى المتحرر من النصوص، وكذلك الآراء المتشددة جداً ناتجة من عدم ربط النصوص بالواقع أو العقل كالتى تحرّم كل شئ، فأى فتوى مرفوضة ترجع لطبيعة ومرجعية هذا المفتى، إما بالمبالغة فى احترام العقل أو الواقع بحجة إعمال العقل، أو برفضهما المطلق أو التقليل من شأنهما بحجة اتّباع الشرع، أو اتّباع قواعد الولاء والبراء أو سد الذرائع وغيرها.
وأول علاج لظاهرة الفتاوى الغريبة والشاذة يجب أن ترتكز فى الأساس على المستفتى، فعلى المستفتى (وهو السائل عن الفتوى) أن لا يستفتى إلا من يُوثق فى دينه وأمانته وعلمه، ولا يكتفى فى ذلك بمجرد ظهور المفتى فى فضائية، أو بقدرته الوعظية، فالفتوى غير الوعظ وغير الترغيب والترهيب.
ويجب عند تشريع قانون يرفض الفتاوى الشاذة أو الرد عليها الأخذ فى الاعتبار التطرق لوهاء أدلة المتشدد الشرعية أو ضعفها، واعتبارها رأى مرجوح وضعيف، والتوقع أن هذا المتشدد يتمسك بهذا الرأى لأنه من وجهة نظرة هو صحيح الدين، وأن الآخرين يخالفون دين الله عز وجل وهذا توهم بلا شك عنده ولكنه واقع للأسف.
ولايكفى أن نقول "لابد من صدور الفتوى عن متخصص" فالتخصص لا يكفى بل لابد من الاعتدال وهو حال الغالبية العظمى من علماء الشريعة الإسلامية، فهناك بعض العلماء فتاويهم شاذة ومرفوضة كالقرضاوى وإن كان هو حالة شاذة إلا أننا لا يمكن أن ننكر تخصصه ووجود أتباع له، وكذلك خريجى الجامعات السلفية فى العالم فهم متخصصون وحاصلون على شهادات معتمدة عالميا.
والمعيار الصحيح للفتوى هو ما صرح فضيلة مفتى الجمهورية د. شوقى علام مراراً وتكرارا إلى أن "صناعة الفتوى" حرفة أو مهنة تحتاج إلى دراية خاصة بالواقع المعاش، وتدريب خاص وتأهيل من نوع معين، فقد يمكث المتدرب على الفتوى عام وعامين أو ثلاثة أعوام فى التدريب، كأنه يحصل على شهادة جديدة، فيقرأ خلالها الكثير من الفتاوى، وكذلك قراءة أرشيف الفتاوى فى دار الإفتاء المصرية بالكامل، لمعرفة كيف جاءت هذه الفتوى"، وعمله مثل عمل القاضى تماماً فى إنزال النصوص القانونية إلى أرض الواقع".
ولهذا السبب نجد أن الناس تزداد ثقتها فى دار الإفتاء المصرية فقد تُجيب على أكثر من 2000 فتوى يومياً بزيادة كبيرة عن الأعوام السابقة مما يدل على زيادة الثقة فيها.
وقد انطلقت دار الإفتاء إلى التواجد العالمى منذ فترة بجهدها الواضح والذى أشرف عليه د. إبراهيم نجم مستشار مفتى الجمهورية فى استخدام أحدث وسائل التواصل الاجتماعى والإعلامى لحصر وتفنيد الفتاوى الغريبة والمرفوضة من تنظيم داعش الإهاربى وأمثالهم، ومن نتائج هذا التقدم الحقيقى على أرض الواقع تدريب أكتر من 100 تايلاندى مؤخراً على الفتوى تحت رعاية الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم والذى يرأسها مفتى مصر والذى يضم أكتر من 30 مفتياً من العالم الإسلامى وكذلك استضافة مؤتمر عالمى سيُعيد الريادة الدينية لمصر فى أكتوبر القادم بعنوان "التكوين العلمى والتأهيل الإفتائى لأئمة المساجد للأقليات المسلمة".