حقا كان العالم أسعد قبل حدوث الثورة التكنولوجية التى أفسحت المجال لما يعرف بمواقع التواصل الاجتماعى social media)) التى نشأت فى أواخر التسعينات وكان يقتصر دورها على التفاعل مع أصدقاء الدراسة وبعدها بعدة سنوات أصبحت تلك المواقع دولية وأصبح بإمكان أى شخص فى العالم أن يمتلك حسابا فى تلك المواقع ليتواصل مع غيره حتى إذا بعد عنه آلاف الكيلو مترات وأصبحنا نضحك ونبكى ونشكى همومنا على صفحات تلك المواقع ثم وصلنا إلى الشغف وبعده إلى إدمان ذلك العالم الافتراضى الساحر فهذا أب يشعر بالوحدة فى حياته الحقيقية فيكتب لابنه الجالس فى الغرفة المجاورة على صفحته لأن الولد لا يرد إلا على رسائل الصفحة !.
وفى وسائل التواصل تلك يتلون كل إنسان باللون الذى يريده فهذا لا يكتب إلا عن الدين والأخلاق وهو بعيد كل البعد عنهما كما نجد البنت التى تقول عن أمها ربى إن لى ملكة ربتنى فاجعلها من أهل الجنة وتترك ملكتها فى المطبخ بالساعات دون أى عون !
وآخر يجلس فقط ليطالع المواقع الإباحية وآخرون يتباهون بما لديهم عارضين حياتهم الشخصية وكاشفين عوراتهم لكل من هب ودب وآخرون يخشون الحسد لحد المرض، كما يوجد فى تلك المواقع مناخ خصب لمروجى الشائعات سواء بدافع شخصى أو مدفوعين من آخرين والخطير فى انتشار الشائعة عبر تلك المواقع هى أنها كطلقة الرصاص لا يمكن إيقافها فبضغط زر المشاركة يتفرق دم الضحية بين القبائل حتى أننا لا نعلم المصدر الأصلى للخبر أو الشائعة وبالتالى لا يمكن محاسبته قانونا وهكذا يتم تشويه الناس أو تلميعهم دون وجه حق، ثم تجد من يدعى سرقة صفحته أو أن الصفحة فى الاساس لاتخصه حين يجد المردود سيئا!
وهذا على عكس أخبار الجرائد فالكل مسئول عما يكتبه فلن تجد جريدة تدعى سرقة مقرها وأن الأخبار المنشورة لا تمت لها بصلة أما الأخطر فى تلك المواقع فهى أنها ميادين يتبارى فيها الكل مستعرضا موهبته فى الكتابة وفى القدرة على الاقناع بكلام ربما صاحبه أصلا غير مقتنع به صانعا بطولة لا تتعدى كونها بطولة كلامية بقدرته على صياغة العبارات الرصينة مجتذبا جمهور عريض يتجاوز آلاف المتابعين followers سالبا ألباب متابعينه الذين يفقدون حاسة البصر والسمع فى بعض الأحيان حين يتحدث قائدهم ومنهم من يسير على نفس الدرب ليتفرع من كل قائد مجموعة قادة تتلمذوا على يديه ويرغبون فيما يرغب به من الاستعراض وسحر العقول ومهما سحرتنا هذه المواقع فهى لا تمثل إلا عالم افتراضى يتوه فيه الكثيرون ويحجب عنهم العالم الحقيقى الذى قد يكون أفضل أو أسوأ بكثير.